قد يبدو هذا العنوان منسجما ودافعا للقارئ إلى التفكير في كوني سأتحدث عن العدالة وأربطها بالقضاء، وأنا في الواقع أقصد حزب العدالة وخاصة رموزه وتلويحهم باللجوء إلى القضاء.
بداية لا بد من تسجيل نقطة مهمة وهي أن الإخوان في العدالة والتنمية يربطون موقفهم من القضاء بناء على من يحاكمون ونتائج الحكم، فتجدهم يمدحون الأحكام القضائية التي تدين خصومهم، ويشككون بالمقابل في تلك التي تدينهم، أو يكون معنيا بها واحدا منهم، لدرجة أن أطلق عليهم البعض حزب “لن نسلمكم أخانا”. فالقضاء نزيه ومستقل إن حكم على خصومهم، وإن كانوا مضطرين للجوء إليه، لكنه غير ذلك حينما يستدعي أحدهم للمثول أمامه.
في هذا المقال سأعرض لجانب آخر من علاقة زعماء البيجيدي بالقضاء، وخاصة لتهديدهم باللجوء إليه وتقديم شكايات ضد من يكتب أو ينشر عنهم شيء.
أولى هاته التهديدات كانت بسبب صورة عشاء “الشمبانيا” الذي استهدفت محمد اعمارة والتي سارع إلى تسجيل شكاية انتهت بربحه للدعوى القضائية واعتذار الجريدة، وشكاية الرباح مع جريدة “الأخبار” التي انتهت لصالحه.
لكن بالمقابل هناك الكثير من المواقف التي أكد قادة الحزب أنهم سيلجؤون للقضاء نفيا لما نشر عنهم، لكنهم لم يفعلوا، وهذا يؤكد أنهم فعلا معنيون بما نشر وأنهم فقط يلوحون بالقضاء تضليلا للناس، وخاصة لأتباعهم الذين لا يترددون في إعادة نسخ ونشر التهديد وكأنه دليل براءة.
حدث هذا مع الجرائد التي نشرت خبر “الكوبل الدعوي” وفضيحة شاطئ المنصورية، كما حدث مع جريدة “الأحداث” التي نشرت سلسلة وثائق تفضح الكوبل البرلماني بباريس، حينها تدخل البرلماني المعني مؤكدا لجوءه للقضاء، وهو ماردت عليه “الأحداث” بنشر الرسالة الموالية، ولا أحد يعرف لماذا لم يلجئ صاحبنا للقضاء حتى اليوم.
وزير الشغل السابق كان من أكثر من هدد باللجوء إلى القضاء، هدد حين اتهمه بوعرفة بأن له سوابق في التحرش بالأطفال حين كان معلما ببني ملال، وهو أمر في غاية الخطورة، وقد كنا ننتظر جرجرة بوعرفة في القضاء بسبب الاتهام الخطير، لكن يتيم أخلف الوعد ولم يلجأ للقضاء. تكرر الأمر حينما بدأت أولى صوره تظهر من باريس متأبطا ذراع مدلكته، حيث أكد أنه سيلجأ للقضاء، لكن لما تطورت الأمور إلى الفيديوهات، سارع إلى القضاء.. ولكن لتطليق زوجته التى رافقته لأكثر من أربعين سنة وليس ضد من نشر الصور.
النائبة البرلمانية بدورها تعرضت للموقف نفسه حين تسربت أولى صور الطاحونة الحمراء، تظهرها بدون حجابها (المحلي)، إذ سارعت إلى تكذيب الأمر وتأكيدها على أن الصور مفبركة وعلى حقها في اللجوء إلى القضاء، لكنها ما لبثت أن أذعنت للأمر الواقع وأكدت أن الصور فعلا صحيحة مع نسيان أمر القضاء إلى حين.
الأمين العام السابق بدوره كان قد هدد باللجوء إلى القضاء مرات عديدة، وخاصة ضد جريدة “الأخبار” التي نشرت خبر امتلاكه لمطبعة مرفوقا بالأدلة، كما نشرت خبر استفادته من معاشين، وقد هدد باللجوء إلى القضاء ولازال لم يفعل إلى يومنا هذا، علما أنه هو من سارع إلى رفع دعوى قضائية نتج عنها اعتقال طالب والحكم عليه بثلاثة أشهر نافذة.
آخر مرة صدر التهديد باللجوء إلى القضاء حينما نشر الناشط الحقوقي بوعرفة تسجيلا يؤكد فيه تعيين رئيس الحكومة لوزيرين سابقين من نفس حزبه مستشارين له بمبلغ سبعة ملايين سنتيم، وقد انتظر المغاربة أمام خطورة الاتهام ردة فعل الوزيرين السابقين وردة فعل رئيس الحكومة لتأكيد الخبر أو نفيه، وهو ماقام به مصطفى الخلفي الذي نشر تكذيبا وأكد أنه سيلجأ للقضاء. الأمر الذي رد عليه بوعرفة ساخرا بدعوته إلى الإسراع بتقديم الشكاية حتى يتسنى له تقديم وثيقة بنكية تتبث صحة كلامه، الشيء الذي يبدو أنه أنهى القضية بضربة قاضية، وإلا أين هي شكاية الخلفي! الغريب أن رئيس الحكومة المعني الأكبر بالاتهام، علما أن مثل هذه التهمة، إن صحت تسقط حكومات، لم يكلف نفسه عناء الرد، ولم يكذب أو ينفي التهمة رغم خطورتها.