الاكتئاب (Depression) ليس ضعفا أو شيئا سهل التخلص منه، ويعرف بأنه الاضطراب الاكتئابي الحاد (Severe depression disorder)، أو الاكتئاب السّريري (الإكلينيكي – Clinical depression).
هو مرض يصيب النفس والجسم. يؤثر الاكتئاب على طريقة التفكير والتصرف ومن شأنه أن يؤدي إلى العديد من المشاكل العاطفية والجسمانية.
عادة، لا يستطيع الأشخاص المصابون بمرض الاكتئاب الاستمرار بممارسة حياتهم اليومية كالمعتاد، إذ إن الاكتئاب يسبب لهم شعورا بانعدام أية رغبة في الحياة.
تجدر الإشارة إلى أن الاكتئاب يعد أحد أكثر الأمراض المنتشرة في العالم.
التعامل مع الاكتئاب
اليوم، يتعامل غالبية العاملين في مجال الصحة مع الاكتئاب كمرض مزمن يتطلب علاجا طويل المدى، بالضبط كما يتم التعامل مع مرض السكري (Diabetes) أو مع فَرط ضغط الدم (Hypertension).
بعض المصابين بمرض الاكتئاب يتعرضون لفترة واحدة من الاكتئاب فقط، لكن لدى غالبية المرضى تتكرر أعراض الاكتئاب وتستمر مدى الحياة.
عن طريق التشخيص والعلاج السليمين يمكن التقليل من أعراض الاكتئاب، حتى لو كانت أعراض الاكتئاب حادة.
العلاج السليم يمكن أن يحسن شعور المصابين بمرض الاكتئاب في غضون أسابيع معدودة، عادة، ويمكـّنهم من العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية كما اعتادوا على الاستمتاع بها قبل الإصابة بمرض الاكتئاب.
أعراض الاكتئاب
- فقدان الرغبة في ممارسة الفعاليات اليومية الاعتيادية
- الإحساس بالعصبية والكآبة
- الإحساس بانعدام الأمل
- نوبات من البكاء بدون أي سبب ظاهر
- اضطرابات في النوم
- صعوبات في التركيز
- صعوبات في اتخاذ القرارات
- زيادة أو نقصان الوزن بدون قصد
- عصبية
- قلق وضجر
- حساسية مفرطة
- إحساس بالتعب أو الوهن
- إحساس بقلة القيمة
- فقدان الرغبة في ممارسة الجنس
- أفكار انتحارية أو محاولات للانتحار
- مشاكل جسدية بدون تفسير، مثل أوجاع الظهر أو الرأس.
أعراض الاكتئاب مختلفة ومتنوعة لأن الاكتئاب يظهر بأشكال مختلفة عند مختلف الأشخاص.
فعلى سبيل المثال، قد تظهر اعراض الاكتئاب لدى شخص عمره 25 سنة مصاب بمرض الاكتئاب تختلف عن تلك التي تظهر عند شخص عمره 70 سنة.
وقد تظهر لدى بعض المصابين بمرض الاكتئاب أعراض حادة جدا إلى درجة واضحة تشير بأن شيئا ما ليس على ما يرام.
وقد يشعر آخرون بأنهم “مساكين” بشكل عام، أو بأنهم “ليسوا سعداء”، دون أن يعلموا سببا لذلك.
أسباب وعوامل خطر الاكتئاب
ليس معروفا، حتى الآن، السبب الدقيق الذي يؤدي إلى ظهور الاكتئاب.
الاعتقاد السائد، كما الحال بالنسبة إلى أمراض نفسية أخرى، هو أن العديد من العوامل البيوكيميائية (البيولوجية – الكيميائية)، الوراثية والبيئية يمكن أن تكون المسبّب لمرض الاكتئاب، من بينها:
- عوامل بيوكيميائية: تؤكد الأبحاث التي استخدمت التصوير بتقنيات حديثة ومتطورة حصول تغيرات فيزيائية (مادية) في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض الاكتئاب. وليس معروفا بالضبط، حتى الآن، ماهية هذه التغيرات ودرجة أهميتها، لكن استيضاح هذا الأمر من شأنه أن يساعد، في نهاية المطاف، على تعريف مسببّات الاكتئاب وتحديدها. ومن المحتمل إن المواد الكيميائية الموجودة في دماغ الإنسان بشكل طبيعي، وتدعى “ناقلات عصبية” (Neurotransmitter) ولها علاقة بالمزاج، تلعب دورا بالتسبب بمرض الاكتئاب. كما إن خللا في التوازن الهرموني في الجسم من شأنه أيضا أن يكون سببا في ظهور الاكتئاب.
- عوامل وراثية: تشير بعض الأبحاث إلى إن ظهور الاكتئاب هو أكثر انتشارا لدى الأشخاص الذين لديهم أقرباء بيولوجيون مصابون بمرض الاكتئاب. ولا يزال الباحثون يحاولون الكشف عن الجينات ذات العلاقة بالتسبب بمرض الاكتئاب.
- عوامل بيئيّة: تعتبر البيئة، بدرجة معينة، مسببا لظهور الاكتئاب. العوامل البيئيّة هي أوضاع وظروف في الحياة من الصعب مواجهتها والتعايش معها، مثل فقدان شخص عزيز، مشاكل اقتصادية والتوتّر الحاد.
صحيح إنه ليست ثمة معطيات إحصائية دقيقة، لكن الاكتئاب يعتبر مرضا واسع الانتشار جدا.
ويتعدى الاكتئاب جميع الحدود والفوارق، العِرقية، الإثنية والاجتماعية – الاقتصادية. فليس هنالك شخص محصّن من الاكتئاب.
يبدأ الاكتئاب، بشكل عام، في سنوات الـ 20 المتأخرة من العمر، لكن قد يظهر الاكتئاب في أي سن وقد يصيب أي شخص، بدءا بالأولاد الصغار حتى العجّز البالغين.
عدد النساء اللواتي يتم تشخيص إصابتهن بمرض الاكتئاب يعادل ضِعْف عدد الرجال. وقد يعود سبب ذلك، جزئيا، إلى حقيقة إن النساء أكثر ميلا للبحث عن علاج لمرض الاكتئاب.
أهم الأسباب التي تؤدي الى الإكتئاب
السبب الدقيق لظهور الاكتئاب ليس معروفا، لكن الأبحاث تشير إلى العديد من العوامل التي يبدو أنها تزيد من خطر الإصابة بمرض الاكتئاب، أو تسبب تفاقمه، ومن بينها:
- وجود أقارب بيولوجيين مصابين بمرض الاكتئاب
- حالات انتحار في العائلة
- أحداث مسببة للتوتر في الحياة، مثل وفاة شخص عزيز
- مزاج اكتئابي في فترة الصباح
- أمراض، مثل: السرطان، أمراض القلب، الزهايمر أو الإيدز
- تناول متواصل، لفترة طويلة، لأدوية معينة، مثل أدوية من نوع معين لمعالجة فرط ضغط الدم، حبوب منوّمة وحبوب منع الحمل في بعض الحالات.
مضاعفات الاكتئاب
الاكتئاب هو مرض قاس وعصيب قد يشكل عبئا ثقيلا على الأفراد وعلى العائلات.
الاكتئاب الذي لا تتم معالجته قد يتفاقم ويتدهور إلى حدّ العجز، العَوَز والاعتماد بل وحتى الانتحار. ومن شأن الاكتئاب أن يؤدي الى مشاكل عاطفية، سلوكيّة، صحيّة وحتى قضائيّة واقتصادية حادة تؤثر على كل مجالات الحياة المختلفة.
مخاطر الاكتئاب
- الانتحار
- الإدمان على الكحول
- الإدمان على مواد مخدرة
- القلق
- أمراض قلب وأمراض أخرى
- مشاكل في العمل أو في التعليم
- مواجهات داخل العائلة
- صعوبات في العلاقة الزوجية
- عزلة اجتماعية
تشخيص الاكتئاب
يطرح الأطباء والمعالِجون أسئلة حول المزاج والأفكار، خلال اللقاءات العلاجية الاعتيادية. أحيانا، يُطلب من المريض أن يعبئ استمارة أسئلة تساعدهم في الكشف عن أعراض الاكتئاب.
حين يشك الأطباء بكون المريض مصابا بمرض الاكتئاب، يقومون بإجراء سلسة من الفحوصات الطبيّة والنفسانية.
تساعد هذه الفحوصات على دحض إمكانية وجود أمراض أخرى من شأنها أن تكون سببا للأعراض، تساعد على التشخيص والكشف عن مضاعفات أخرى تتعلق بالحالة.
فحوصات لتشخيص الاكتئاب
- الفحص الجسماني (البدني)
- الفحوصات المخبرية
- التقييم النفسي
معايير لتشخيص الاكتئاب
تقييم الطبيب أو المعالِج النفساني يساعد في تحديد ما إذا كانت الحالة هي مرض الاكتئاب الحاد أو أحد الأمراض الأخرى التي تذكّر بمرض الاكتئاب الحاد، أحيانا، ومن بينها:
- اضطراب الإحكام (Adjustment Disorder): رد فعل عاطفي حاد على حدث مؤلم في الحياة. وهو مرض نفساني يرتبط بالتوتّر النفسي ومن شأنه أن يؤثر على العواطف، الأفكار وعلى السلوك.
- الاضطراب ذو الاتجاهين: (أو: الاضطراب ثنائي القطب – Bipolar disorder، وهو الذي كان يسمى سابقا: الذهان الهَوَسي الاكتئابي – Manic Depressive Psychosis)، يتميّز هذا النوع من الاضطراب بمزاج متقلّب من النقيض إلى النقيض.
- دَورَويَّةُ المِزاج (اضطراب المزاج الدوري – Cyclothymia): أحد أنواع اضطراب الإحكام.
- الاكتئاب الجزئي (أو: خَلَلُ التُّوتَة – Dysthymia): هو مرض أقل حدة وصعوبة، لكنه مزمن أكثر من الاكتئاب.
- اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum depression): هو اكتئاب يظهر عند بعض النساء بعد ولادتهن أطفالا جددا. وهو يظهر، عادة، بعد شهر من الولادة.
- الاكتئاب الذّهانيّ (Psychotic depression): هو اكتئاب حاد وصعب ترافقه أعراض وظواهر ذهانيّة، مثل الهلوسة (Hallucination).
- الاضْطِرابٌ الفُصامِيٌّ العاطِفِيّ (Schizoaffective disorder): هو مرض يشمل مميزات وأعراض مرض الفُصَام (الانفصام العقلي – Schizophrenia) واضطرابات المزاج (Mood disorders).
- اكتئاب الشتاء: هذا النوع من الاكتئاب مرتبط بتبدّل الفصول وبالتعرض غير الكافي لأشعة الشمس.
يختلف الاكتئاب الحاد عن الأمراض التي ذكرت أعلاه، سواء من حيث الأعراض أو درجة الصعوبة.
علاج الاكتئاب
- المعالجة الدوائية
- المعالجة النفسانية
- المعالجة بالتخليج الكهربيّ (المعالجة بالصدمة الكهربائية – Electroconvulsive treatment Electroshock treatment – ECT)
كما إن هنالك طرق لعلاج الاكتئاب لم تستوف البحث والتجريب مثل الطرق المقبولة المذكورة أعلاه، من بينها:
- التنبيه (التحفيز) الدماغي
- علاجات مكمِّلة وبديلة.
ثمة حالات معيّنة يستطيع طبيب العائلة فيها علاج الاكتئاب بنفسه.
ولكن في حالات أخرى، هنالك حاجة للاستعانة بمعالِج نفساني مؤهّل لعلاج الاكتئاب، طبيب نفسي، اختصاصي علم النفس أو عامل اجتماعي.
من المهم جدا أن يكون للمريض دور فعّال في علاج الاكتئاب. فبالتعاون والعمل المشترك، يستطيع الطبيب (أو المعالِج) أن يقرر، سوية مع المريض، نوع علاج الاكتئاب الأفضل والأكثر ملاءمة لحالة المريض، مع الأخذ بالاعتبار ماهية الأعراض ودرجة حدتها، الخيار الشخصي للمريض، القدرة على دفع تكاليف علاج الاكتئاب، الأعراض الجانبية لعلاج الاكتئاب وعوامل أخرى.
ومع ذلك، ثمة حالات يكون فيها الاكتئاب صعبا جدا لدرجة تحتم على الطبيب، على شخص قريب أو غيره، متابعة علاج الاكتئاب ومراقبته عن كثب حتى يسترد المريض عافيته ويصل إلى وضع يستطيع فيه أن يشارك، بفاعلية، في عملية اتخاذ القرارات.
طرق علاج الاكتئاب
فيما يلي وصف مفصّل لطرق علاج الاكتئاب:
1- الأدوية
تتوافر في الأسواق عشرات الأدوية لعلاج الاكتئاب. يستطيع غالبية الناس التخفيف من أعراض الاكتئاب عن طريق الدمج بين الأدوية والعلاج النفسي.
غالبية الأدوية المضادة لحالة الاكتئاب فعّالة وناجعة بنفس المقدار. لكن بعضها قد يسبب أعراضا جانبية حادة جدا وخطيرة.
مراحل علاج الاكتئاب
- الاختيار النموذجي الأول: يبدأ العديد من الأطباء علاج الاكتئاب بواسطة الأدوية المضادة لمرض الاكتئاب المعروفة باسم مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الاختيارية (Selective serotonin reuptake inhibitors – SSRI)
- الاختيار النموذجي الثاني: مجموعة من مضادات الاكتئاب المعروفة باسم مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCA – Tricyclic antidepressants)
- الاختيار النموذجي الأخير: مجموعة من مضادات الاكتئاب المعروفة باسم مُثَبِّطُات أُكسيدازِ أُحادِيِّ الأَمين (Monoamine oxidase inhibitor – MAOI).
الأعراض الجانبية لأدوية الإكتئاب
كل الأدوية المضادة لمرض الاكتئاب يمكن أن تسبب أعراضا جانبية غير مرغوب فيها.
الأعراض الجانبية تظهر بمستويات متفاوتة الشدّة عند مختلف المرضى، أحيانا تكون هذه الأعراض الجانبية خفيفة إلى درجة لا تلزم التوقف عن تناول الدواء.
بالإضافة إلى ذلك، تختفي أو تخف هذه الأعراض خلال أسابيع معدودة من بدء العلاج بالأدوية المضادة لمرض الاكتئاب.
2- العلاج النفسي
أحيانا يتم استخدام العلاج النفسي بموازاة العلاج بالأدوية وبالتزامن معه. العلاج النفسي هو اسم شامل لمعالجة الاكتئاب من خلال محادثات مع المعالج النفسي حول الوضع وحول الأمور المتعلقة به.
ويدعى العلاج النفسي، أيضا، العلاج بالمحادثة، الاستشارة أو العلاج النفسي – الاجتماعي.
الشفاء من الإكتئاب
قد يكون الاكتئاب، أحيانا، شديدا جدا إلى درجة إنه يستوجب استشفاء المريض (إدخاله إلى المستشفى – Hospitalization) لمعالجته في قسم الأمراض النفسيّة.
لكن حتى في حالات الاكتئاب الحاد، ليس من السهل دوما اتخاذ القرار بشأن طريقة علاج الاكتئاب وما إذا كان هو العلاج الملائم. فإذا ما توفرت إمكانية لمعالجة المريض خارج المستشفى بنفس النجاعة أو أكثر، فمن الأرجح ألّا يوصي الطبيب بإدخاله إلى المستشفى.
استشفاء المريض في قسم الأمراض النفسية يفضل، عادة،َ في الحالات التي لا يستطيع المريض فيها الاهتمام بنفسه بشكل لائق، أو عندما يكون تخوف جدي من أن يؤذي نفسه أو أي شخص آخر.
الوقاية من الاكتئاب
ليس هنالك طريقة للوقاية من الاكتئاب. لكن القيام ببعض الامور، يمكن ان يقي او يمنع تكرار الاعراض، مثل:
- اتخاذ تدابير للسيطرة على التوتر، للرفع من مستوى البهجة ومستوى التقدير الذاتي من شأنها أن تساعد.
- الدعم من قبل الأصدقاء والأهل، وخاصة في فترات الأزمة يمكنه أن يساعد في التغلب على حالة الاكتئاب.
- من شأن العلاج المبكّر للمشكلة حال ظهور العلامات أو الأعراض الأولى أن يساعد وأن يمنع تفاقم الاكتئاب.
- العلاج الوقائي الطويل المدى أيضا يمنع تكرار أعراض الاكتئاب.
العلاجات البديلة
بعض الناس يلجأون إلى طرق الطب المكمّل أو البديل للتخفيف من أعراض الاكتئاب. هذه الطرق تشمل استخدام مضافات غذائية وتقنيات الجسم – النفس.
فيما يلي تفصيل لبعض المضافات الغذائيّة الشائعة المستخدمة في معالجة مرض الاكتئاب:
- عشبة العرن أو عشبة القلب (هيبركوم، هيبوفاريقون المثقب – Hypericum Perforatum) والمعروفة أيضا باسم “نبتة سيدي يحيى” أو “نبتة سانت جونس” (st. Johns wort).
- أدينوزيل مثيونين (S – Adenosyl methionine / SAM, SAMe, SAM – e)
- أحماض دهنية أوميجا 3.
تقنيات الجسم – النفس المتداولة للتخفيف من أعراض الاكتئاب
- الوخز بالإبر الصينيّة
- اليوجا
- التأمّل (Meditation)
- التخيّل الموجّه
- العلاج بالتدليك