تعدد الأحزاب هو تعدد المرجعيات والمذاهب الفكرية والبرامج السياسية وهذا هو المنطلق الذي ينطلق منه حضر فكرة الحزب الوحيد لأنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية إلا بمأسسة الاختلاف الفكري والإيديولوجي والبرامجي، وبهذا تكون الأحزاب السياسية هي أحد أهم مداخل تعبير الأمة عن إرادتها من ناحية عن طريق انتخاب ممثليها من الأحزاب السياسية ومن ناحية أخرى من خلال تكتل نخبة من أبناء الوطن أو الأمة في شكل تنظيم مؤسس يتبنى نفس المرجعية الفكرية والأيديولوجية.
وهنا أود أن أرد على أصحاب الأطروحة التي تقول أنه قد ولى زمن الأيديولوجيات، أعتقد أن أصحاب هذا الطرح إما أنهم كائنات تكنوقراطية لا تجيد التفكير في ما هو استراتيجي وتفكر فقط من وجهة نظر ضيقة ترى في مؤسسات الحكم مجرد غرفة قيادة توجه السفينة باتجاه الرياح وأمواج البحر، وإما فئات تريد الحفاظ على مكتسباتها الشخصية والفئوية التي لا يمكنها أن تجدها في مجتمع يومن بالأفكار والإيديولوجيات والاختلاف، وكخلاصة جامعة لما أعتقده في هذا الباب هو أنه لا برامج ولا سياسات عمومية وترابية للتنمية الشاملة دون تدافع الأفكار والمنطلقات الفكرية والفلسفية التي تجيب عن سؤال الإنسان والدولة.
إننا اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى أحزاب تناقش وتتدافع في الساحة السياسية بمنطلقات فكرية صلبة، لأنه لا يمكن للناخب أن يختار من أحزاب متشابهة لها مرجعية المصلحة الضيقة فقط دون توجهات فكرية وإيديولوجية محددة، وهنا أود أن أطرح أسئلة استنكارية أود أن أجعلها مدخلا للقارئ كي يحدد وجهة نظره، كيف يمكن للأحزاب السياسية أن تمارس أدوارها الدستورية دون مرجعية محددة؟ وعلى أي أساس فكري ستقوم برامج تأطير الأحزاب السياسية للمواطنين؟ ومن أي مدخلات فكرية ستضع الأحزاب السياسية برامجها الانتخابية التنموية؟ إنها أسئلة تجعلني أمام علامة إستفهام كبرى وهي كيف يؤصل التكنوقراط لأطروحتهم التي تقول أن زمان الإيديولوجيات قد ولى؟؟؟؟
من كل هذه المنطلقات أود أن أضع بين يدي القارئ وجهة نظري كأحد قيادات الحزب المغربي الحر الفتي أحد أبواب النقاش الفكري الرزين الذي أبتغي منه تفكيك مرجعية هذا الحزب الذي أعتبره أمل الانفراج والمصالحة السياسية كي نساهم جميعا في فهمها ومراجعتها إن اقتضى الحال، فمن خلال معرفتي لهذا الحزب الفتي ولقياداته الشابة أجدني أمام فضاء رحب يتسع لنا جميعا كي نناقش بكل حرية المفاهيم التي بني عليها هذا الحزب قصد تجويدها وتنزيلها وإن اقتضى الحال من أجل مراجعتها.
وهنا لا يمكن أن تفوتني الفرصة كي أضع بين أيديكم نبذة عن بناء الإطار المرجعي للحزب إنطلاقا من وثيقة مبادئ الحزب المغربي الحر، التي صادق عليها المؤتمر الوطني الإستثنائي أيام 30 و31 يناير 2021 بمدينة الخميسات والذي أطلق عليه مؤتمر الإصلاح والبناء، فهي خلاصة نقاش وطني رصين قوامه أنه لا يمكن بناء أفق من الأمل والانفراج السياسي في أمتنا المغربية دون بناء إيديولوجية وطنية تومن بضرورة الجواب عن أسئلة أمتنا.
فمؤتمر الإصلاح والبناء كان فرصة تاريخية لبناء حزب وطني جديد بروح شبابية تعتزم خلق فضاء للنقاش والحوار والاختلاف على أسس الوطنية والاسهام في تعزيز مكانة النقاش الشبابي المسؤول الذي يعتز برصيده الوطني الغني والمتشبث بثوابت الأمة المغربية وعراقة الشعب المغربي الأصيل من خلال تكريس البعد الوطني الهوياتي والجواب على سؤال التنمية الاقتصادية من خلال المرجعية الاقتصاد الليبرالي.
ان الحزب المغربي الحر يتخذ اليمين المحافظ والليبرالية الاقتصادية كمرجعية له وذلك من خلال مجموعة من المنطلقات يمكن تلخيصا من وجهة نظري فيما يلي:
أولا؛ أن الأمة المغربية بإعتبارها أمة ضاربة في القدم لها أصولها وتقاليدها وقيمها الإنسانية الراقية نعتبرها مدرسة مستقلة تتبؤ مكانة الصدارة على المستوى العالمي، ومن هذا المنطلق فإن الشعب المغربي يحقق إكتفائه من الناحية القيمية والإنسانية وهو مدرسة في العراقة والأصالة والحضارة الإنسانية أينما وجدت. وحق لإفريقيا أن تفتخر بوجود هذا الشعب بين شعوبها وأن تلتف حوله من أجل بناء قارة منتجة وقوية وليست مستهلكة ومستغلة.
ثانيا؛ أن المبادئ الإنسانية المغربية تسمو على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وأنها أكثر حضارة وإنسانية من خلال بنائها على مدى قرون والاف السنين وليست نتيجة لحروب أو لدمار.
ثالثا؛ أن المغرب يعتبر مدرسة في الاعتدال وإحترام الأغيار ولا دليل على ذلك أقوى من التواجد الديني للمغرب في دول إفريقيا جنوب الصحراء وإحترامه للجوار رغم مناوشات الحاقدين والحاسدين.
رابعا؛ إيمانا منا بضرورة تكريس مبادئ الليبرالية الاقتصادية كجواب عن سؤال التنيمة من خلال تحقيق حرية السوق وتعزيز مبدئ “دعه يمر دعه يعمل” و “منع جميع أنواع المنع” وهذا من أجل محاربة أشكال اقتصاد الريع التي أبانت على تراجع التنمية.
خامسا؛ أن التعدد والحرية والإختلاف الفكري والفلسفي مدخل من مداخل التنمية وتجويد السياسات العمومية والترابية.
من المعلوم أن مرجعية الحزب يمكن أن تتشابه من الناحية الشكلية أو الفلسفية مع عدد من الأحزاب المغربية إلا أن الجديد على المستوى الفكري والمرجعي للحزب هو إستنباطه للمرجعية اليمينية المحافظة من القيم المغربي الأصيلة والغنية وليس استنباطا من المرجعيات المشرقية أو الغربية أو نقلها كما هي، فالمغرب مدرسة في الحضارة والقيم وهو مدرسة مكتفية بذاتها ولها من القيم ما يمكن تصديرها بكل سخاء من منطلق قيم التعاون المتأصلة في الثقافة المغربية العريقة.
وبهذا أكون قد أجبت عن سؤال مرجعية الحزب المغربي الحر أو على الأقل أكون قد حاولت أن أجيب على هذا السؤال من وجهة نظري كأحد قيادات هذا الحزب الذي يأمل في خلق الإنفراج والمصالحة السياسية بين المواطنين والساسة في أفق تحقيق حلم الانتقال الديمقراطي.
عز العرب بوغالب
كاتب رأي
عضو المكتب السياسي للحزب المغربي الحر