أصبح ظاهرا للعيان أن علاقة الشغل بشكلها الكلاسيكي أصبحت مرفوضة وغير مقبولة بين أبناء الجيل الجديد من الشباب، وأصبح معلوما أن التعريف الحقيقي لعقد الشغل أنه عقد سخرة وعبودية وبيع للكرامة مقابل أجر هزيل لا يكفي إلا للاستمرار في الحياة من أجل أداء العمل إلى أجل سن التقاعد أو سن الموت الوظيفي، فالأجر المقدم كمقابل الخدمة المقدمة للمشغل لا يسمح للأجير بأن يطمح بالادخار او الاستثمار أو الرقي المجتمعي وبالتالي فهو معيق للحرية والكرامة والعيش الكريم والطموح للرقي ….
بمقابل رفض عقود الشغل، التي يجب ان نطلق عليها عقد العبودية والسخرة كي نعطيه مكانته الحقيقي، يظهر تيار جديد من الشباب يدعون للمبادرة الحرة وحرية المقاولة والدفاع عن أفكار الاقتصاد الليبرالي باعتبارها العقيدة الاقتصادية التي تضمن الكرامة للجميع وتحفظ لكل مجتهد نصيبه.
وفي محاولة لملاحظة واقع سوق الشغل يظهر للعيان أن عقيدة المشغل هي الاستغلال للموارد البشرية كاستغلال المواد الأولية واَلات الصناعة وغيرها من عوامل الإنتاج اللا إنسانية، والدليل على ذلك هو هزالة الأجور وارتفاع عدد الساعات الغير مؤدى عنها وغياب التأمين والتغطية الصحية والاجتماعية … كلها مظاهر يستنتج منها أن المشغل لا يرى في علاقته بالأجير إلا ربح خدمة العمل بكلفة أقل حتى إذا كان على حساب كرامة الأجير وطموحه في الرقي، حتى أصبحت القاعدة لا نصيب للمجتهد ولا مجال للطموح ولا للرقي.
وإذا انطلقنا من فكرة “دعه يعمل دعه يمر” وأزلنا القيود عن المبادرة في أفق تحقيق هدف “منع المنع” أي تحرير السوق من قيود الاحتكار والجشع والاستغلال اللا إنساني ومن قيود التراخيص والمنع والمنبول (monopole)… فستكون النتيجة هي تحقيق الرخاء وإنتاج الثروة وتعزيز كرامة الإنسان وإحقاق العدالة لصالح المجتهد.
يجب أن نعلنها ثورة فكرية وسياسية واقتصادية ضد عقود الشغل التي لا يمكن اعتبارها سوى عقود العبودية والسخرة والذل والمهانة، والعمل على تحقيق مطلب المبادرة الحرة وحرية المقاولة التي تمنح الجميع حرية الولوج للسوق وإمتلاك وسائل الإنتاج والتمتع بحرية الإبداع من أجل خلق القيمة المضافة وإنتاج الثروة.
فمن حق سائق سيارة الأجرة أو الحافل أن يكون مقاول في مجاله، وأن يكون المهندس مقاول في مجاله، وأن يكون النجار مقاول في مجاله، وأن يكون لكل ذي حرفة أو مهنة أو خبرة الحق في أن يكون مقاول وتاجر دون قيد أو رخصة أو مأذونية … وأن يقدس حق الجميع في الولوج للسوق ووسائل الإنتاج.
أعتقد أن الدولة أصبحت مجبرة على رفع يدها عن السوق وأن تجعله ملكا لتقلبات العرض والطلب ولا تتحكم في دواليبه بمنطق الترخيص والمنع والضريبة وسعر الفائدة … و في حالة كانت الدولة تريد ولوج السوق كمستثمر عليها أن تخضع لقواعد السوق وليس بحق الامتياز الممنوح لها دون غيرها.
عز العرب بوغالب
كاتب رأي