في عام 1948 تمكنت النخبة البيضاء في جنوب إفريقيا من السيطرة على السلطة وتشكيل حكومة هدفها خلق إطار قانوني للمحافظة على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية وذات الارتباطات الثقافية والتجارية بالمستعمر الإنجليزي، لتنطلق سلسلة من القوانين العنصرية كان أبشعها على الإطلاق قانون “الأبرتايد” الذي فرق بين السكان البيض والسود في الاستفادة من الحقوق والخدمات العمومية من صحة وتعليم ونقل، كما استندت السياسة الحكومية على مبدأ تفضيل المواطن الأبيض الناطق باللغة الإنجليزية على المواطن الأسود الناطق بلغته الأم.
لكن وبعد سنوات امتدت من عام 1948 إلى 1990 سيطرت من خلالها نخب العرق الأرقى على العرق الأدنى على مقدرات وخيرات شعب جنوب إفريقيا، سيعلن رئيس الحكومة فريديريك ديكلارك فشل سياسة الأبرتايد، وإلغاء كافة القوانين العنصرية، كما سمح بتجديد عمل الكونغريس الوطني الأفريقي وإطلاق سراح زعيمها نيلسون منديلا بعد سنوات من النضال من أجل الحرية والمساواة.
سبب نزول هذه المقدمة التاريخية، هو فريق حكومة عزيز أخنوش الذي يحمل دلالات قوية بتتويج نخبة نشأت على هامش مغرب بعد الاستقلال واستفادت في الظل من الريع الإقتصادي وقوانين المغربة، ويجمع بينها بالإضافة للنفوذ الإقتصادي والمالي والإعلامي ارتباط ثقافي أساسه الفرانكوفونية لغة وقيما وممارسة، وقد ظلت هذه النخب إلى حدود حكومة عبد الرحمان اليوسفي محدودة الحضور في المشهد السياسي الذي احتكره رواد متشبعين بالثقافة المغربية الأصيلة ولا يتقبلون أي منافس لها في الحقل الحزبي والسياسي، لكن مع تزايد التكتل الإقتصادي أصبحت الحاجة ملحة لحماية مصالح الأقلية الفرانكوفونية من التمدد والسيطرة على الشأن العام.
وهكذا فإن المراقب لوزراء حكومة عزيز أخنوش الذين اختارهم بمنطق تسيير الشركات والمجموعات الإقتصادية الكبرى، لا بمنطق تقديم الأجوبة السياسية للمواطن المغربي، سيكتشف أن غالبية البروفيلات تنحدر من نفس النخبة الفرنكوفونية بل ومن المتعصبين لها وعلى رأسهم وزير التعليم العالي والبحث العلمي والإبتكار الذي يشتغل في نفس الوقت رئيسا للوكالة الجامعية الفرنكوفونية، وسفير المغرب لدى فرنسا السيد شكيب بنموسى الذي تولى حقيبة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، هذا بالإضافة إلى المسار الدراسي لغالبية الوزراء والذي لا يخرج عن إطار البعثات الفرنسية والجامعات الغربية، وهي إشارة أخرى أن المدرسة والجامعة المغربية صالحة فقط لإخراج مجتمع المعطلين والعمال والمستخدمين، في حين تولي المسؤوليات بالمغرب أصبح رهينا بنخب لها القدرة المالية الهائلة لأداء مصاريف الدراسة في المدارس والجامعات الأجنبية.
إن هذا المنطق المقاولاتي والفئوي في تدبير شأن عام يختلط فيه الثقافي باللغوي والتاريخي بما هو سياسي، هو ما يدفع بنا إلى دق ناقوس الخطر عن مستقبل المغرب في ظل حكومة حصرت نفسها في نخبة تعتبر نفسها الأرقى مجتمعيا وطبقيا، في حين اكتفت بتكليف أحد أبناء جلدتنا والمتحدث بلغتنا بمنصب الناطق الرسمي للحكومة حتى يبرر لنا ما تقوم به حكومة الفصل العنصري من إنجازات، كما أنها عنوان مؤسف لنهاية أطروحة نضال أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة في سبيل الرقي المجتمعي عن طريق النجاح الحزبي، على اعتبار أن غالبية الوزراء لم تكن لهم أية مساهمات سياسية أو مسارات نضالية وطنية.
وهكذا فإن هذه النظرة الإستعلائية التي ينظر بها السيد رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، بقدر ما تنبئ بتزايد الإحتقان الطبقي، فإنها تنذر بسياسات حكومية أساسها سلخ المواطن المغربي عن هويته وتاريخه وحضارته، والإكتفاء بتقديم الأرقام المالية والأوراق التجارية على أنها أجوبة لحاجات المواطن، وهي سياسة ستحول الإنسان المغربي من مواطن عاقل راكم على مدى عقود تصورا للهوية والوطنية المغربية الأصيلة، إلى مستخدم فارغ في هولدينغ حكومة السيد عزيز أخنوش.