فاضلي: “اعتزال” بلافريج للعمل السياسي هو نتيجة طبيعية لشخص يناقض وضعه الطبقي دون وعي ودون استيعاب
-علي فاضلي-
“اعتزال” بلافريج للعمل السياسي هو نتيجة طبيعية لشخص يناقض وضعه الطبقي دون وعي ودون استيعاب، فبلافريج بالإضافة لوعيه البسيط جدا هو جزء من البورجوازية الصغيرة/الطبقة المتوسطة، وهي طبقة بحكم واقعها طبقة انتهازية ومترددة، فطموحها هو الترقي الطبقي والخوف من تغير وضعها الطبقي للأسوء، ولذلك فهي طبقة مترددة في دعم التغيير الجذري لأنه قد يعصف بوضعها الطبقي، كما أن نفسها جد قصير في دعم التجارب الإصلاحية، فالوعي هو الذي يجعل هذه الطبقة إما طبقة تقدمية أو طبقة رجعية، ولهذا تعمل الأنظمة السياسية على تزييف وعي هذه الطبقة وعلى “رشوتها” كلما وقعت أزمة من الأزمات، وتجربة الربيع العربي خير مثال، لكي يتم تحييدها أو التقليل من دورها في الصراع القائم.
إنها طبقة انتهازية، فهي تستغل الأزمات لتحسين وضعها الطبقي، وتفضل الاستقرار خوفا من تبعات التغيير الذي قد يعصف بمكتسباتها، مصر بعد الإنقلاب نموذج جيد على ذلك.
ومن الأسباب الرئيسة في عدم قيام ثورات اشتراكية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، هو أن الطبقة العاملة -على خلاف ما توقع ماركس- لم تصبح هي الطبقة المهيمنة في هذه البلاد، نتيجة ظهور الامبريالية التي حققت الوفرة الاقتصادية للدول الأوروبية عبر نهب الشعوب المستعمرة ، الأمر الذي أسهم في توسع الطبقة المتوسطة نتيجة انتشار والتطور الكبير في قطاع الخدمات، مع نقل “الفائض البشري” نحو البلاد المستعمرة، وظهور نموذج الرأسمالية الفوردية -بتعبير غرمشي- بالولايات المتحدة، وهو النموذج الذي مكن شركة فورد لصناعة السيارات من تقليل تكلفة صناعة السيارات بكميات كبيرة مع دفع أجور كبيرة للعمال وتحويلهم لمستهلكين، الأمر الذي جعل الطبقة العاملة في أمريكا تصنف كطبقة متوسطة، وهو النموذج التي بات مهيمنا في الدول الغربية، وبالتالي لم تعد الطبقة العاملة تلك الطبقة التي تبيع مجهودها العضلي للحصول على قوتها اليومي، بل تحولت لطبقة تعيش وفق النمط الرأسمالي الاستهلالي “برجزة الطبقة العاملة”، وعليه لم تظهر أحزاب ثورية قوية في الدول الغربية، في حين همينت الاحزاب الاشتراكية على الحياة السياسية في تلك الدول لعقود طويلة، وهي أحزاب إصلاحية لكون الطبقة المتوسطة هي عمودها الفقري.
إن الوعي هو أساس تحويل الطبقة المتوسطة إلى طبقة فاعلة تاريخيا في اتجاه تقدمي، فالوعي هو الذي جعل كبار مفكري الماركسية من المنتمين طبقيا لتلك الطبقة، والوعي هو الذي جعل غالبية مفكري ومنظري الحركات الاجتماعية من المنتمين للطبقة المتوسطة، وكا قال ماركس “الفقر لا يصنع ثورة وإنما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة”.