عندما يعم الفساد في أمة فاعلم أنها في تخلف وردة وهلاك، وعندما يصبح الباطل حقا ويصبح الحق باطلا فاعلم أنها الطريق نحو نهاية الحضارة والأمجاد، وعندما تعلوا الأصوات مستنكرة زجر المفسدة وإبطال المفسدات فإنه اشعار صريح بسكتة قلبية أكيدة في قلب كرامة الانسان وأمجاد الأمم.
من المؤسف أن نرى التلميذ يستنكر فعل معلم يزجر الغش، وأن نرى معلم لا يرى في وظيفته سوى فرصة لكسب لقمة العيش، وأن نرى موظفا يشرعن الرشوة ويسميها هدية أو فنجان قهوة، وأن نرى ناخبا مقهورا يطالب بمقابل صوته، وأن نرى صحفيا يبيع مهنيته مقابل غلاف من بضع أوراق نقدية، وأن نرى عاملا لا يؤدي واجبه بصدق وأمانة بدعوى هزالة الاجر، وأن نرى مقاولا لا يؤدي الضرائب مدعيا فساد الدولة … من المؤسف أن نرى الفساد يستشري ويتغول بين الجميع ومن الخطر أن نرى طالب الفساد يستنكره.
علينا أن ندق جميعا ناقوس الخطر وأن نعي أن محاربة الفساد تبدأ من أنفسنا قبل استنكاره في غيرنا.
فإلى متى سيبقى الطالب يغش في الامتحانات ويطالب الدولة بالتوظيف؟ وإلى متى سيبقى المواطن يؤدي الرشوة ويطالب بمحاسبة الموظف؟ وإلى متى سيبقى المقاول متهربا من الضريبة ويطالب بتحسين ظروف الاستثمار؟ وإلى متى سنطالب بزجر المفسد ونحن نساهم في الفساد؟؟؟
فهل من المنطقي أن تقبل شكاية من مواطن يساهم في الفساد ويطالب بزجره؟؟؟
إن من الخطر أن نجعل من الغش والرشوة والمحسوبية والوساطة واستغلال النفوذ … مطالب شرعية مهما كانت صغيرة أو كبيرة وأن نرى الرافض بعين التبخيس والحمق وغياب الواقعية، إن الاستسلام للفساد وشرعنته واستعماله أخطر من الاستسلام للمرض وانتظار الموت.
ويبقى كل ما قد ناقشته فيما سبق من الأسطر تساؤلات وملاحظات ومحاولة لمناقشة كل ما ألاحظه من مظاهر مؤسفة، لكن في أمة بعراقة المغرب وتراثه وحضارته وإنسانية يبقى الأمل كبيرا في معالجة هذه المظاهر المميتة، لكن كيف ذلك؟؟؟
أعتقد أن مدخل الإصلاح هو فهم مصادر الخلل، فلا يمكن أن تعم الرشوة والغش والفساد في أمة لها تعليم ناجح وقوي ولها مؤسسات القضاء والزجر مستقلة ولها مؤسسات حزبية ملتزمة بمبادئها وقيمها ولها مقاولون مواطنون وموظفون مناضلون ومعلمون مربيون وليسوا موظفين … وبناءا عليه لا يمكن محاربة الفساد ومظاهره إلا بتحقيق الديمقراطية والحرية الاقتصادية والسياسية والعدالة وتحقيق الانفراج والمصالحة.
عز العرب بوغالب
كاتب رأي