الأولياء في المغرب

في المغرب لا يشكل مرأى ضريح أو مزار شيئاً غير عاد أو مثير للانتباه، فحيثما ولى المرء وجهه إلا ويصادف قبة أو «كركورا» أو «حوش مزارة» في القرى أو المدن أو الخلاْء أو في قمة الجبل أو في سفحه، لدرجة جعلت الباحث بول باسكون يطلق على المغرب شعار «بلد المئة ألف ولي»، وهو شعار لا مغالاة فيه،

كما يرى الكاتب والصحافي محمد جنبوبي صاحب كتاب «الأولياء في المغرب: الظاهرة بين التجليات والجذور التاريخية والسوسيوثقافية»، الذي صدر حديثا ضمن منشورات «كنال أوجوردوي».

وهو الكتاب الذي حقق منذ صدوره اهتماماً بالغاً من طرف المتتبعين والمهتمين بهذه الظاهرة، التي تعرف قلة من الدراسات وندرة في المعلومات والحقائق المضبوطة، في مقابل إشاعات ومعتقدات شعبية تنحدر في عمقها التاريخي إلى مئات السنين إن لم نقل إلى عصور ما قبل الفتح الإسلامي.

لقد كانت فكرة الكتاب في البداية مجرد سلسلة صحافية نشرها صاحبها ضمن فضاءات رمضان في الصحيفة التي يشتغل بها والتي لم تكن لتتطور إلى كتاب لولا العدد الهائل من الأولياء والأضرحة والمزارات والزوايا التي أحصاها الباحث والتي لا تتوفر معلومات وافية عنها فيما هو مدون ومكتوب على قلته عن هذه الظاهرة لحد الآن بالمغرب.

فهذه الندرة في المدون عن أولياء المغرب والرغبة في الكشف عن خبايا هذه الظاهرة وقراءتها وتتبع مراحلها التاريخية، دفعت الصحافي محمد جنبوبي، بتحفيز من عدد من الأصدقاء والمتتبعين، إلى تحويل المادة الصحافية إلى دراسة ذات تصور منهجي ترنو إلى قراءة ومحاولة فهم الظاهرة من خلال استعراض

وتقديم النماذج سواء في إطارها التاريخي أو التحليلي أو من خلال نصوص المناقب والكرامات والتراجم، أو من خلال آراء ومواقف موزعة في تعددها واختلافها بين أزمنة واتجاهات ومرجعيات متباينة.

موضوع الأولياء والأضرحة من المواضيع «المقدسة» بالمغرب والمحفوفة بالكثير من المصاعب وذلك بسبب ندرة الواقعي فيما كتب حولها وشح الأخبار المتعلقة بحياة وتكوين وبناء شخصيات هؤلاء الأولياء، في مقابل الإسهاب المثير والمذهل فيما يخص استعراض كرامات هؤِلاء الأولياء والخوارق التي نسجت حولهم،

حيث كان المرء ومازال يلجأ إليهم في أوقات الشدة والمحن من أجل التبرك وطلب الحماية والاستشفاء وغير ذلك من المآرب الغارقة في هالة من التقديس والتهيب والطقوس والممارسات التي اجتهد العامة في اختلاقها وتعديدها وابتداع سلوكات رسخت الخضوع لها، وكرست تعايشاً تلقائياً وأحياناً عفوياً معها. قد يضم الضريح أو المزار رفات رجل أو امرأة (ولي ـ صالح ـ متصوف ـ مجدوب ـ مجاهد ـ مرابط ـ عالم)

وقد يكون مدفنا لأشخاص حقيقيين معروفين تاريخيا أو آخرين مجهولين أو وهميين، وقد يكون موقعا رمزيا لمدفن جني ك «شمهروش وميمونة» وأحيانا لا يضم المدفن شيئا أو يضم رفات بعض الحيوانات كما أثبتت ذلك العديد من الحفريات الحديثة التي قللت شيئا من الهالة التي يعطيها المغاربة لمثل تلك المزارات التي يمكن أن تكون أيضا مجرد مغارة أو كهف أو بئر أو عين ماء،

لكن طابع التقديس والتبجيل والمواسم التي تعقد للبعض منها ورغبة الدولة في استمرار مثل تلك المعتقدات الشعبية جعلت أمر المساس بها أو حتى التقصي في أمورها من المستحيلات وهو الشيء الذي سبق وأشار له المسرحي المغربي الطيب الصديقي في شريطه السينمائي اليتيم «الزفت» الذي تحدث فيه عن نزع الدولة لأراضي مجموعة من الفلاحين من أجل اتخاذها كطريق سيار في حين لم تستطع زعزعة مزار صغير يِؤمه الناس وهو المزار الذي سيكتشف فيما بعد أنه مجرد مدفن لكلب ليس إلا.

وقبل أن يسرد الكاتب سير وحياة بعض مشاهير أولياء المغرب من مثل: ابراهيم المغاري، أبو العباس السبتي، ابن عاشر، الإمام السهيلي، عبد السلام بن مشيش، عبد الله بن حسون، أبو سلهام وأبو عبد الله أمغار، قام بتقديم قراءة أولية في الظاهرة وفي جذورها التاريخية التي يرجعها البعض إلى عصور ما قبل الفتح الإسلامي،

حيث تحيل أسماء بعض مشاهير الأولياء إلى معانٍ قديمة تعود إلى أصول إغريقية كاسم بوزيد مثلا الذي يعود حسب بعض الباحثين إلى الأصل« Posidon » وهو اسم إله البحر عند الفينيقيين ونفس الشيء يمكن قوله عن الأضرحة التي تحمل اسم أبو القنادل والتي توجد على السواحل الأطلسية، والتي تعني المنارة أو المواقد النارية لإرشاد السفن.

فضعف الإنسان ومحدودية قدراته الجسدية والذهنية هو ما جعله يبحث عن وسائط يأمن من خلال التعبد فيها شر وغضب الطبيعة هذا في العصور الوثنية، أما مع دخول الإسلام فقد تحولت تلك الوسائط إلى أضرحة ومزارات مقدسة يمكن اعتبارها، على حد تعبير جاك بيرك، «من أهم ركائز هذا التدين الشعبي الذي لا يبلغ اكتماله إلا في حالة القداسة».

وخلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين/السادس عشر والسابع عشر الميلاديين ستعرف الزوايا التي أسسها متصوفة العهد المريني انتشارا واسعا لم تعرفه الرباطات التي ظهرت قبلها.

وقد كانت الزوايا تؤم جموع الناس وتقوم بوظائف دينية وتعليمية وإحسانية وبوظائف سياسية تكون لصالح الدولة أحيانا وأحيانا أخرى تثور ضدها.

وقد احتفظ التاريخ بأسماء العديد من الشيوخ والمتصوفة والعلماء الذين رفضوا الانصياع لأوامر حكام غاشمين، فخلقوا من زواياهم مراكز للتحريض والدعوة للإصلاح ، حيث أصبحت تلك الزوايا فيما بعد محجا للعديد من الناس ومنبعا للعديد من الطرق الصوفية ومأوى للمجاذيب الذين ارتبطت أسماؤهم إلى جانب الشيوخ والعلماء والمتصوفة بحدث أو ممارسة أو سلوك معين. ويعد عبد الرحمن المجدوب من أشهر المجاديب في المغرب.

وبخصوص كرامات الأولياء التي استفاضت في ذكرها كتب التراجم والمناقب الثلاثة «المستفاد في مناقب العباد» لأبي عبد الله محمد بن قاسم التميمي و«التشوف إلى رجال التصوف» لابن الزيات التادلي و«دعامة اليقين في زعامة المتقين» لأبي العباس العزفي» التي أثرت بشكل كبير فيما تلاها من مؤلفات ،

فإنه يتم التمييز بينها وبين المعجزات التي يختص بها الأنبياء حيث يقول عبد الله بن الصديق ان الكرامة «اسم من الإكرام والتكريم وأن الكرامة في اصطلاح أهل السنة أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد مؤمن صالح غير مقرون بدعوى النبوة».

ومن بين أنواع الكرامات التي ذكرتها كتب التراجم والمناقب هناك كرامات الخوارق وهي تعني الأمور والأفعال والتصرفات الخارقة التي يقدم عليها الأولياء ويستحيل على غيرهم القيام بها، وكرامات التحكم في الوحوش، وكرامات الدعاء، وكرامات المكاشفة ثم كرامات معارضة قوانين الطبيعة كالمشي على الماء أو الطيران في الهواء أو الصعود إلى الأجواء العليا.

غير أن الدراسات الحديثة التي تناولت موضوع الكرامات تقلل من شأنها وتناقشها داخل حيزها الزمني وتعتبرها، كما يرى الباحث إبراهيم القادري بوتشيش، بديلا لواقع مأزوم ووسيلة تعبير عن إدانة ذلك الواقع وأداة للكشف عن جملة من التطلعات والهواجس الخفية.

فالكرامة برأي العديد من الباحثين «لعبت دور الغطاء الفكري والردود على مشكلات وجودية ومعرفية وقيمة مرتبطة بالإنسان العربي». فظاهرة الكرامات بشكل عام هي اختزال لمشروع إصلاحي قدمته كتب المناقب بنوع من التعتيم والضبابية كتعبير عن مواقف من الصراع الاجتماعي وبؤر الأزمات،

وكذا من أجل تحجيمه والتقليل من تأثيره، إلا أن هذا المشروع الإصلاحي كان مجردا من عناصر الفعل المباشر، والتأثير العملي في سير الأحداث.

سعيدة شريف

*الكتاب: الأولياء في المغرب الظاهرة بين

التجليات والجذورالتاريخية والسوسيوثقافية

*الناشر: منشورات كنال أوجوردوي الرباط 2006

*الصفحات:196 صفحة من القطع المتوسط

الأولياء في المغربحمد جنبوبي
Comments (0)
Add Comment