التوظيف بالعقدة.. إصلاح وطني أم تكريس للهشاشة؟

سمير الحاجيوي

منذ أزيد من سبع سنوات مضت ، جاءت وزارة التربية الوطنية بنظام ما يسمى التوظيف بالعقدة ، أو التعاقد كما هو متعارف عليه ، وللبحث عن مبررات اعتماد نظام التعاقد كطريقة من طرق التوظيف في قطاع التربية الوطنية تحت غطاء ما يسمى بالمصلحة العامة ، سنحاول في موضوعنا هذا تشخيص مواطن القوة والقصور لهذا النظام ومدى استطاعته تكريس حماية المتعاقد ، وتحقيق المصلحة للمجتمع ، هذا إضافة للظرفية التي عرفها اعتماد القطاع لهاذا النظام .

جاءت الدولة من خلال وزارة التربية الوطنية حين وجدت نفسها تحت خصاص مهول بتقاعد عدد كبير من رجال التعليم في موسمي 2015/2016 و 2016/2017 عندما أعلن الوزير رشيد بنمختار تقاعد أزيد من 10000متقاعد في الموسمين ، ما حتم إيجاد حل ترقيعي لحل معضلة الخصاص ،فما كان من الوزارة تنزيل نظام التعاقد مع أطر التعليم .(المتعاقدون) .
ولقراءة الموضوع من عدة زوايا كان لزاما البحث عن المسببات والمبررات وطرح الإشكالية لمعالجته من ناحية أخرى .فإلى أي حد يعد التعاقد( نظام العقدة ) في وزارة التربية الوطنية قانونيا ؟وهل يمكن اعتباره تعاقدا في النظام الوظيفة العمومية ؟أم يحيلنا على نظام العقدة في قانون الشغل ؟ وما هي الحلول التي جاءت بها الدولة لإرساء هذا النظام في ظل أزمة استمرت لأكثر من سبع سنوات ؟
لمعالجة موضوعنا وللإجابة على هذه الإشكاليات كان لازما العروج إلى معنى ومفهوم التعاقد ،كآلية وظيفية و وسيلة تعاقدية سواء كانت مع بين الدولة (الوزارات ،أو القطاعات الوزارية ) وبين مؤسستها اللاممركزة أو شركائها . وتعاقد الدولة أيضا أو المؤسسات العمومية التابعة لها مع موارد بشرية (متعاقدين ) ومن خلال هذا التعاقد يمكن للدولة تنزيل مجموعة من المخططات وبلوغ مجموعة من الأهداف وذلك بناء على برامج سنوية يتم الاتفاق عليها .

في ظل غياب إطار قانوني ينظم التعاقد بين الأكاديميات و الأطر التربوية وأطر الدعم الاجتماعي ،جاءت وزارة التربية الوطنية أواخر 2016 بمباراة التعليم وكسابقة في تاريخ الوظيفة العمومية وفي أزمة كانت قد انتهت بفترة قليلة كذلك وهي أزمة فوج الكرامة حيث جاءت النباراة على صفيح ساخن .

إذن حين نتحدث هنا عن موظفي وأطر الأكاديميات نتحدث عن أولا عن مفهوم (موظفي) بمعناه العام ،(موظف) أي رسمي ونظامي تابع لنظام الوظيفة العمومية المؤطر بظهير رقم 008-58-1 التابع للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية . لكن حين نتعمق في الإطار القانوني الذي ينظم مهن المتعاقدين نجد أنهم يؤطرهم ما يسمى بالنظام الأساسي لأطر الأكاديميات . وهنا يطرح الإشكال ،هل فعلا هم موظفون بمعناه العام الذي يتعارف لديه المغاربة أم غير ذلك ؟

وعندما نقوم بقراءة مُتأنية للنظام الأساسي لأطر الأكاديميات نجد أنه يضم 11 باباً و 111 مادة تعالج فيه مقتضيات تخص هذه الأطر من حقوق ووضعيات و وواجبات و قرارات تأديبية إلى غير ذلك معادلة تقريبا لما يوجد في النظام الأساسي للوظيفة العمومية ، ويرسمون في النظام الأساسي للأكاديميات بعد اجتيازهم بما يسمى الكفاءة التربوية بعد سنة من التكوين وسنة من الاشتغال ، إذا هل يمكن اعتبار هذه الفئة موظفة خاصة أنهم فئة تتمتع بجميع الحقوق التي يتوفر عليها زملاؤهم النظاميون والمرسمون في الوظيفة العمومية ؟ خاصة وأن الدولة تعتبرهم مرسمين لدى الأكاديميات الجهوية والتي تعتبر كذلك مؤسسات عمومية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية والشخصية المعنوية .

الجميع يتوافق على أن النظام الأساسي للأكاديميات ، لا هو بنظام يعتبر قانونا مؤطرا ولا هو بمرسوم ولا هو بظهير شريف ، إذا فهو نظام يمكن اعتباره على حد قول المتعاقدين ( هش) خاصة وأن الوزارة في لقائها الأخير مع النقابات الأكثر تمثيلية لفئة التدريس استغنت عن الأنظمة الأساسية للأكاديميات الإثني عشر ، بعدما كانت في سنوات سابقة تدافع عليه بما أوتيت به من قوة . فما سبب تراجعها عنه . هل بفعل رفض المتعاقدين له أوبفضل النضالات التي خاضوها ، أم على نظرا بأخذ رأي الخبراء القانونين و الفقهاء في المجال بوصفه نظاما غير قار ولا يؤسس للأمن الوظيفي ولا الاجتماعي للمتعاقد .خاصة وأنه نظام لا يعتبر مشغليه موظفون رسميون في الوظيفة العمومية التي ينظمها قانون عام ولا قانون ومدونة الشغل 65.99 التي ينظمها القانون الخاص . هنا يكمن الخلل .

بعد الاحتجاجات التي قامت بها التنسيقية الوطنية للمفروض عليهم التعاقد من أساتذة وأطر الدعم الاجتماعي والأطر الإدارية المتعاقدة منذ 2016 ، كانت الدولة كل سنة تحاول بشتى الطرق جعل المتعاقدين راضون على والحقوق و المكتسبات التي أعطيت لهم من نظام أساسي خاص بهم وبإدراجهم في الصندوق الوطني للتقاعد بعدما كانوا يدرجون ضمن النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد ، وذلك بمبرر مساواتهم مع الأطر الرسمية لدى الوزارة ، رغم أن الصندوق بنفسه أدرج نقطة المتعاقدين أدرجوا بطريقة استثنائية على أمل تسوية وضعيتهم القانونية .باعتبار الصندوق الوطني للتقاعد خاص بالموظفين فقط .

جاء اتفاق 14 يناير 2023 لينثر الغبار و ليمد أيادي الدولة ( رئيس الحكومة ،وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ، وزارة المالية ) للنقابات الأربع الأكثر تمثيلية مع غياب ممثلة نقابة الجامعة الوطنية للتعليم ، وذلك لوضع خارطة وأسس تتوافق عليها لمعالجة عدة مشاكل في القطاع منها ، مشكل التعاقد ، حيث أن الدولة وعدت بإدماج المتعاقدين في النظام الأساسي لأطر التعليم ، لكن التنسيقية قابلة الملف بالرفض لما له من إرهاصات لازالت لم تحل ، إذ أنهم يطالبون على حد القول بترسيمهم في الوظيفة العمومية المؤطرة بظهير شريف وبمرسوم وزاري و جعل أجرتهم أجرة يرتبط الرقم التسلسلي بالمركز أي بالخزينة العامة .وأن الترسيم في النظام الذي جاءت به الدولة ليس بترسيم في النظام الأساسي في الوظيفة العمومية ، خاصة وأن الوزارة لم تضع مسودة لهذا النظام .

هذا ويمكن القول على أن المتعاقدين ينتظرون الصيغة التي سيتم إدماجهم فيها ، خاصة وأن الفئة تضم فيها أزيد من 120000 متعاقد ومتعاقدة رغم الشك الذي يراودهم في إتفاق 14 يناير . لما لها من تبعات دولية خاصة وأن صندوق البنك الدولي يضع من أولوية الشروط لإقراض المغرب هي تقليص عدد الموظفين وجعل الوظيفة العمومية من الماضي في تدخل سارخ لما يمليه دستور المغرب بأن الوظيفة العمومية حق مكفول لكل مغربي ومغربية .

فبأي صيغة أو طريقة سيدمجون بها ؟ و هل سيتم حل مشاكل القطاع بعد إدماجهم ؟ وهل إدماجهم وترسيمهم سيكون في النظام الأساسي المماثل للأنظمة الأساسية للأكاديميات أم سيكون بمرسوم وزاري يرسم المتعاقدين في الوظيفة العمومية ؟ كل هذه الأسئلة وفي انتظار خروج مضامين الاتفاق ونحن في موسم دراسي ساخن جاء بمقاطعة جل فئات التدريس لتسليم النقط ،ستجيب عليها الأيام القادمة .

التعاقد
Comments (0)
Add Comment