تشكل العلاقة بين الهوية والسياسة والاقتصاد إشكالا فكريا شغل العديد من الباحثين في مختلف المدارس والتيارات الفكرية، وهي علاقة شائكة ومعقَّدة وتثير كثيراً من الاختلاف في وجهات النظر لما تنطوي عليه من عناصر متناقضة في تأثيرها على المجتمع وعلى الثقافة معاً.
هناك من يرى، على سبيل المثال، أن تحويل الهوية الأمازيغية إلى خطاب سياسي شكلي ومرحلي أو لمنتوج سِلَعي يباع ويشترى، يجعلها خاضعة لاستغلال المافيات السياسية والتجارية وما تمارسه من تأثير دعائي سلبي على المواطن أو المستهلك من خلال الإغراء المالي أو الوظيفي، حيث شهدت الساحة السياسية المغربية في الأيام الأخيرة تسابق مجموعة من الأحزاب إلى امتطاء صهوة الهوية الأمازيغية بشكل يثير جملة من الأسئلة المقلقة حول مصير المجتمع المغربي باعتبار الأمازيغية مكون سيادي خاصة بعد خطاب أجدير 2001 وبعد اعتراف دستور 2011 برسمية الهوية الامازيغية كمكون أساسي في البنية الاجتماعية المغربية.
وقد أثبت قرار دسترة الهوية الأمازيغية أن تفعيل المقتضى الدستوري يتطلب إرادة سياسية صادقة وملتزمة. وبسبب غياب هذه الإرادة، ظل الفعل الأمازيغي حبيسا للنضال المطلبي الأقرب إلى الاستجداء. وبالرغم من الاهتمام الشعبي العارم والمتنامي بهذا الانتماء الهوياتي، والذي تحقق بفضل مجهودات المجتمع المدني الأمازيغي، فإن الوضع المؤسساتي للأمازيغية يعرف ركودا غريبا مع سبق إصرار وترصد؛ وهو الأمر الذي يساهم في مزيد من هدر “الزمن الهوياتي” للمغاربة، ويجعل الأمازيغية في وضعية اسم على غير مسمى.
إن افتقاد الفاعلين والمدافعين عن الهوية الأمازيغية للرؤية السياسية الواضحة التي تستمد مرجعيتها من السيرورة التاريخية للحضارة الأمازيغية على مر العصور، ومن العقلانية العلمية القائمة على المسح السوسيومجالي والتحليل المنطقي للمعطيات الكمية والكيفية الواقعية، جعل المجتمع المغربي يعيش اغترابا ثقافيا وهوياتيا خطيرا، وأدى إلى التقزيم من أدوار هؤلاء الفاعلين ودسهم في تنظيمات سياسوية يحكمها منطق المال وثنائية العبد والسيد، مما يعيد انتاج نفس التوجه الإيديولوجي الهش القائم على اللامعنى ومنطق البيع والشراء.
ومنه فإن مستقبل الهوية الأمازيغية بالمغرب مرتبط بالتنظيمات الوطنية والدولية المستقلة، وبالكفاءات الحرة التي تفكر بهدوء بعيدا عن التماهي مع البروبندات السياسوية المؤقتة، قصد بلورة مشروع مجتمعي شامل وواقعي مبني على القيم الكونية الإنسانية .
*باحث في الثقافة وشؤون الطفولة والشباب