في السنوات الأخيرة، شهد المغرب تحولاً ملحوظاً في اهتمامات الشباب، حيث تزايد توجههم نحو أنشطة المجتمع المدني على حساب المشاركة في العمل السياسي التقليدي، هذا التحول يعكس تغيرات عميقة في المجتمع المغربي يستدعي تحليلاً سوسيولوجياً لفهم أسبابه ودلالاته.
تشير التقارير إلى تزايد ملحوظ في مشاركة الشباب المغربي في أنشطة المجتمع المدني، ووفقاً لتقرير المندوبية السامية للتخطيط لعام 2022،فإن نسبة الشباب الذين يشاركون في أنشطة المجتمع المدني ارتفعت ب 15% مقارنة بالعقد الماضي، كما أن دراسة أجراها “مرصد الشباب المغربي” وجدت أن حوالي 40% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً يشاركون بانتظام في أنشطة المجتمع المدني.
من الأسباب التي تدفع الشباب نحو المجتمع المدني برامج التعليم والمبادرات التوعوية التي تركز على أهمية المشاركة المدنية والعمل التطوعي، مما يزيد من وعي الشباب بأهمية هذه الأنشطة، بالإضافة إلى ذلك، يجد الشباب في المجتمع المدني مساحة أكبر للتعبير عن أنفسهم والعمل على قضايا تهمهم دون قيود سياسية وحزبية، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تسهيل تنظيم الحملات المدنية وزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية، مما جذب الشباب للمشاركة في هذه الأنشطة.
في حين تعكس الإحصائيات تراجعاً في اهتمام الشباب المغربي بالمشاركة في العمل السياسي التقليدي، حيث تشير أرقام وزارة الداخلية المغربية لعام 2021 إلى أن نسبة الشباب الذين شاركوا في الانتخابات لم تتجاوز 30% من إجمالي الناخبين، كما أن دراسة “المعهد المغربي لتحليل السياسات” أظهرت أن 60% من الشباب المغربي يعبرون عن عدم ثقتهم في الأحزاب السياسية وفي العملية السياسية برمتها.
ومن الأسباب التي من المرجح أن تدفع الشباب للابتعاد عن العمل السياسي فقدان الثقة في النظام الانتخابي بسبب الفساد والتلاعب السياسي والفساد الانتخابي ، كما أشار أنتوني غيدنز في كتابه “الحداثة والهوية الذاتية”، أن الثقة في المؤسسات السياسية تعتبر أساسية لتحقيق مشاركة فعالة، وهذا ما يفتقر إليه الشباب المغربي. بالإضافة إلى ذلك، الأحزاب السياسية غالباً ما تكون متحجرة وبيئة غير مشجعة على الابتكار والتغيير، مما يدفع الشباب للبحث عن مجالات أخرى يمكنهم فيها إحداث تأثير حقيقي،حيث يميل الشباب أيضاً إلى التركيز على القضايا المحلية والمجتمعية التي يمكنهم رؤية نتائج فورية لها، وهو ما يوفره المجتمع المدني بفعالية أكبر من السياسة التقليدية.
وفي كتابه “الأشكال الثلاثة لرأس المال”يشير بيير بورديو إلى أن رأس المال الاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في تحديد توجهات الأفراد،و في المغرب، يبدو أن الشباب يجدون في المجتمع المدني فرصاً لبناء رأس مال اجتماعي غني بالعلاقات والفرص المهنية والتطوير الشخصي، وهو ما لا توفره السياسة التقليدية، كما أن مفهوم الاغتراب كما وصفه كارل ماركس في كتابه “المخطوطات الاقتصادية والفلسفية” يمكن تطبيقه هنا،حيث يشعر الشباب بالاغتراب عن النظام السياسي بسبب عدم شعورهم بقدرتهم على إحداث تغيير حقيقي من خلاله، مما يدفعهم نحو مسارات بديلة مثل العمل المدني، ويشير كذلك أنتوني غيدنز إلى أن الحراك الاجتماعي يتأثر بتغيرات البنية الاجتماعية، في المغرب، يبدو أن الشباب يجدون في المجتمع المدني وسيلة لتحقيق الحراك الاجتماعي وتحسين أوضاعهم من خلال العمل المباشر والمشاريع الملموسة.
عموما توجه الشباب المغربي نحو المجتمع المدني وابتعادهم عن العمل السياسي التقليدي يعكس تغيرات عميقة في المجتمع المغربي، الإحصائيات تظهر تزايداً في المشاركة المدنية على عكس المشاركة السياسية، مما يشير إلى فقدان الثقة في النظام الانتخابي والبحث عن مسارات بديلة للتأثير والتغيير، ولتعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، يجب إجراء إصلاحات جذرية تعيد الثقة في العملية السياسية وتخلق بيئة مشجعة للمشاركة الفعالة و تذكر بأهمية العمل السياسي من خلال إدراك أن السياسة هي الأداة الأساسية لتغيير الأوضاع على مستوى الدولة والمجتمع وتؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد والجماعات، فعلى الرغم من أهمية العمل المدني في تعزيز الوعي وبناء المجتمع، إلا أنه لا يمكن أن يحقق التغيير الجذري بدون دعم سياسي وتشريعي، فمن خلال المشاركة السياسية، يمكن للمواطنين الضغط على صناع القرار لاتخاذ قرارات تعكس مصالحتهم وتطلعاتهم. لذا، يعد العمل السياسي ضرورة حتمية لتحقيق التغيير الشامل والمستدام، ولضمان أن تكون القوانين والسياسات عادلة وتعبر عن إرادة الشعب.