السياسة في أصولها الفلسفية و العلمية هي تنظيم للحياة العامة،فهي بالأساس حق من حقوق المواطنة، وهي كذلك حق المواطن في التفاعل مع الفكر السياسي للإنخراط في عملية صنع القرارات السياسية، و مراقبتها بالتقويم و الضبط عقب صدورها من جانب المشرع، و بالتالي هي ربط المواطن العادي بالشؤون العامة لوطنه و دولته.
كما أن السياسة حقل مفتوح للجميع، شباب وشيوخ رجال ونساء مقاولين و موظفين و عمال … لسكان القرى و المدن، فهي ليست علما تخصصيا قد يستعصي على غير المتخصصين، لذلك فهي حق مشاع، يفرضه الوعي بقيم المواطنة و الوعي بحقوقها.
فلماذا إذن، يرفض غالبية المواطنين المغاربة، الانخراط في العمل السياسي؟ ولماذا يبتعدون عن المشاركة؟ هل يعود ذلك إلى انخفاض الوعي السياسي لدى المواطنين، أم إلى نقص الخبرات و غياب القيادات السياسية المسؤولة و القادرة على الاستقطاب و التأثير أم إلى ضعف التنظيمات السياسية ونخبها الغائبة عن هموم الجماهير وتطالعاتها…؟ و ما الذي يفسر نفور المواطنين من المشاركة السياسية ؟
اهو غياب الإطار السياسي الملتزم الذي يستجيب لمتطلبات المرحلة-أم أن طبقة المرحلة السياسية الراهنة والتباساتها و مخاضاتها تدفع بالجماهير خارج “الملاعب” السياسية؟
إشكالات متعددة وغيرها توجه سهام النقد إلى النخبة السياسية و الفساد الذي مس بجنونه متخلف القطاعات، فساد سياسي تجسده الأحزاب المصنوعة و تؤطره الانتخابات الفاسدة و النخب المخدومة و فساد إداري ،تجسده مظاهر الرشوة و المحسوبية والزبونية و استغلال النفوذ، وفساد إجتماعي أخلاقي تجسده العهارة و تهريب المخدرات و التملص الضريبي و التخلي عن القيم الإنسانية و المغربية المحافظة ، وجميعها مفاسد تنحدر من العائلة السياسية التي تهدف إلى حصد المال و السلطة بكل الوسائل وبمختلف الإمكانيات، إضافة إلى التناقضات الصارخة التي تعيشها النخبة السياسية المغربية الراهنة بين تمثلاتها الذهنية و ممارساتها الميدانية من خلا إستراد النظريات الجاهزة و العمل على إسقاطها على الواقع ممهما كان من تناقض أو تجاوز أو عدم ملائمة لخصوصياته الثقافية و اللغوية ، وحتى إلتزام النخب السياسية بمبدأ البرغماتية في العمل السياسي و الميكيافيلية في التنزيل ، إذ أصبحت هذه النخب على كامل الإستعداد لفعل أي شي و التضحية بأي مبدأ لصالح المبدأ الكبير هو المصلحة الخاصة .
و لتحصيل كل هذا يصبح الفساد شعارا و الفن الرديء و الإعلام الهابط الية ووسيلة و الحفاظ على الامتيازات الخاصة مطمح و هدف، مما يجعل هذه المعضلة تحول السياسة من فن الممكن إلى فن المستحيل.
ويبقى السؤال مطروح متى و في أي ظرف سينخرط المواطن المغربي في المشهد السياسي و بأي كيفية ؟