يقتضي الاختيار الديموقراطي، كأحد الثوابت الجامعة للأمة المغربية والمنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور، الرقي بالمشهد السياسي وإعطاء مساحات أكبر للأحزاب السياسية وفتح نقاش مجتمعي صريح بين مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين لمقاربة وجهات النظر والاختيار الاصلح للمنهجية الأكثر ديموقراطية التي ستساهم في قيام المصالحة بين المواطنين والسياسة، بين الشباب والسياسة، بين الحرفيين والسياسة، بين الموظفين والسياسة، بين العاطلين والسياسة، بين المبدعين والسياسة … السياسة التي تمنح فضاءا رحبا لتدبير الشأن العام أو المحلي أو القطاعي وفق مبدئ التدبير الحر والديموقراطي والتي تفتح المجال كذلك لممارسة المعارضة المسؤولة والبناءة دون تضييق أو تعسف.
إننا اليوم أحوج من أي وقت مضى الى فتح نقاش وطني صريح ورزين لتقييم الوضع الراهن الذي تعيشه الأمة المغربية والقيام بمصالحة وطنية بين المواطنين والسياسة أو بين عموم المواطنين والسياسيين وبناء أفق من الامل والانفراج نحو ممارسة سياسية تعبر عن الإرادة الحقيقية للأمة.
لكن يبقى السؤال المطروح عند الكثير من المواطنين، ما هي العلاقة بين الممارسة السياسية الديموقراطية والتنمية؟ وبطريقة أدق، هل سيؤثر الإصلاح السياسي والديموقراطي على التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر والهشاشة والتهميش؟
وفي محاولة بسيطة مني، أولا كمواطن مغربي شاب وثانيا كفاعل سياسي، منطلقها أنه لا تنمية بدون ممارسة سياسية ديموقراطية ولا ممارسة سياسية ديموقراطية إلا بفتح المجال والفضاء الرحب للأحزاب السياسية كي تمارس مهامها باستقلالية ومسؤولية، فلا يمكن لأحزاب سياسية مصنوعة أو موجهة أن تخلق الانفراج السياسي ولا المصالحة مع المواطنين.
إن البرهان على العلاقة الترابطية بين سؤال الديموقراطية وسؤال التنمية لا يحتاج إلا للتأمل في واقع الدول المتقدمة والدول المتخلفة، فبحجم الممارسة الديموقراطية وسلاسة تداول السلطة بحجم التنمية والإزدهار والرخاء.
ومن هذا المنطلق وفي محاولة لتأمل النموذج التنموي الذي عرضته لجنة شكيب بنموسى على جلالة الملك في القرب من المرحلة الانتخابية والتي جعلتني أطرح مجموعة من الأسئلة أبحث لها عن أجوابة في محاولة غير موفقة لاستعمال أدوات المنطق السياسي والديموقراطي.
فهل هناك من جواب على ما هو دور الأحزاب السياسية في صناعة نماذج تنموية مختلفة باختلاف المرجعيات والمنطلقات الفكرية والأيديولوجية؟ هل هذا النموذج التنموي سيعفي الأحزاب السياسية من صياغة برامجها الانتخابية؟ هل ستلتزم الحكومة المقبلة بتنفيذ برنامج بنموسى بدل تنفيذ برنامجها الانتخابي التعاقدي مع المواطنين؟ وفي حالة فشل هذا النموذج، من سيحاسب؟ هل سنحاسب الحكومة والأحزاب المشكلة لها أم سنحاسب لجنة بنموسى التي لا تعبر عن التنوع المغربي الغني؟
والسؤال الأهم هل فقدنا الأمل في وجود أحزاب السياسية في المشهد السياسي وخضعنا لمنطق الأكشاك الانتخابية التي لا برامج لها ولا توجه ولا فكر؟ هل سنأسس لخصوصية مغربية جديدة قوامها أن نصنع نموذج تنموي دون أحزاب سياسية؟
أعتقد أن النموذج التنموي الذي يقترح السيد شكيب بنموسى يصلح ليكون أرضية للنقاش وليس برنامجا إنتخابيا ملزما للأحزاب.
عز العرب بوغالب
عضو المكتب السياسي للحزب المغربي الحر