جاء في تقرير المهمة الاستطلاعية لمجلس النواب حول الصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة خلال فترة “كورونا” معطيات صادمة حول الاختلالات التي شابت عملية تدبير صفقات عمومية بملايير الدراهم حيت رفض وزير الصحة الحضور إلى البرلمان من أجل مناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية رغم أن مجلس النواب يختتم اليوم الخميس الدورة التشريعية.
فجر التقرير أنه “على الرغم من أن القانون يمنع المقاولات غير المصرح بها وغير المسجلة لدى وزارة الصحة من الاشتغال في سوق الدواء والمستلزمات الطبية، إلا أن المهمة الاستطلاعية وقفت على خروقات قانونية واضحة في هذا المجال”.
الا أن أعضاء المهمة الإستطلاعية لاحضوا عدم حصول عدد من الشركات المتعاقد معها “على الترخيصات القانونية الضرورية المنصوص عليها في المادة 7 من القانون، في حين أن عشرات الشركات المسجلة لدى وزارة الصحة بشكل قانوني كانت محرومة من الولوج إلى الطلبيات العمومية”
كشف في التقرير التالي بالأسماء عدد المقاولات التي أبرمت معها وزارة الصحة الصفقات التفاوضية خلال فترة “كوفيد” دون أن تتوفر على شواهد التسجيل والترخيصات الضرورية ، وبلغ 45 شركة غير مرخص لها
ووقفت الوثيقة على ما اعتبرها اختلالات في مساطر التسجيل، مشيرة إلى أن إحدى الجمعيات الممثلة للمهنيين وللمقاولات العاملة في المجال بادرت إلى مراسلة الوزارة عدة مرات تطلب منها تسريع إخراج التراخيص الضرورة، كما وجهت إليها عدة رسائل احتجاجية ضد تجميد ترخيصات وتسجيل عدة شركات مقابل تسريع ملفات شركات أخرى.
وأكد المصدر ذاته أن عددا من “المقاولات استفادت من صفقات تفاوضية حتى دون أن تتوفر على التصريح القانوني المحدد في المادة 7 من القانون المنظم للمستلزمات الطبية؛ ما يعني حرمان شركات أخرى من التصريحات الاستثنائية خلال فترة الجائحة، ويؤكد بشكل لا لبس فيه شبهة محاباة شركات على حساب أخرى في التعاقدات المتعلقة بالطلبات العمومية”.
المهمة الاستطلاعية التي نبشت في الصفقات الأكثر إثارة للجدل خلال مرحلة “كوفيد 19” أكدت أن المعطيات التي جرى الوقوف عليها تمثل “خرقا واضحا للقانون وللمبادئ والقواعد الأساسية لإبرام الصفقات العمومية”، مشيرة إلى أنه “يفترض، إذا ما تأكد ذلك، أن تترتب عليه مسؤولية قانونية، لأن ذلك يضرب في الأساس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المقاولات، وهو مبدأ دستوري حرصت المملكة على تضمينه الوثيقة الأساسية للدولة”.
وأشار التقرير إلى حصول إحدى الشركات على معاملة تفضيلية، إذ حصلت على شهادة تسجيل المستلزم الطبي الذي طلبت تسجيله قبل حتى أن تحصل هي نفسها على الترخيص القانوني لممارسة عملها في مجال المستلزمات الطبية.
وأورد المصدر ذاته أن هاته الشركة تم تسجيلها بشكل قانوني منتصف شهر نونبر 2020، في حين أنها تمكنت من تقديم طلب تسجيل المستلزم الطبي قبلها بعدة أسابيع، “وهو أمر ممنوع قانونا”، مضيفا: “تعاملت الوزارة بمحاباة واضحة عبر تمكينها من وضع الطلب وأداء الرسوم في وقت تم إغلاق هاته الخدمة العمومية في وجه باقي الشركات”.
وأشار تقرير اللجنة أن وزارة الصحة رفضت الادلاء بآي تساءل لأعضاء اللجنة ما إذا كان عدم التفاعل “يعتبر تصريحا ضمنيا بصحة الملاحظات الجوهرية المثارة بخصوص إشكال ازدواجية تعامل الوزارة مع طلبات التسجيل، وضرب قواعد المنافسة الحرة والنزيهة، وغياب الترخيصات القانونية مع الشركات المتعاقدة معها، وهو الشرط الأساسي الذي يسمح لهاته المقاولات بالاشتغال في مجال الأدوية والتجهيزات والمستلزمات الطبية .
أكد التقرير ذاته أن عملية تدبير وزارة الصحة لعملية اقتناء الكواشف والأجهزة المتعلقة بإجراء تحاليل “كورونا” شابتها عدة اختلالات أيضا، مشيرا إلى “الصفقة التفاوضية رقم 29 بمبلغ يفوق 21 مليار سنتيم، وذلك لاقتناء الكواشف والتحاليل السيرولوجية”، وزاد موضحا: “تم أداء مبلغ 158 مليون درهم منها ولا يعرف مآل باقي الصفقة إلى حد الآن”
يوضح التقرير“اختلالات كبيرة تتعلق بتاريخ صلاحية الكواشف، وهو ما تؤكده المراسلة الموقعة من طرف مديرية الأدوية، التي تبين بشكل واضح أن جزءا كبيرا من التحاليل والكواشف السيرولوجية شبه منتهية الصلاحية، ولا تتعدى مدتها شهرين فقط ، في حين أن إبرام الصفقة كان بتاريخ 14 ماي 2020؛ وفي هاته الحالة يتعين أن يكون ثلثا التحاليل تفوق مدة صلاحيتهما سنتين كاملتين”.
والمثير في صفقة الكواشف منتهية الصلاحية ، أن وزارة الصحة عادت لتعقد صفقات أخرى مع الشركة ذاتها، بمبلغ أزيد من 62 مليون درهم لنفس الغرض، والعديد من الصفقات الاخرى .
وأشار تقرير المهمة الاستطلاعية أيضا إلى ملاحظات بخصوص تعامل وزارة الصحة مع الوكالة المغربية للتعاون الدولي، موضحا أنه “تم تحويل الاعتمادات المالية من قبل وزارتي الصحة والمالية عبر قرارات مشتركة من الحساب الخصوصي للصيدلية المركزية، وذلك لفائدة هاته الوكالة، بما مجموعه 862 مليون درهم، على الرغم من أن الاتفاقية كانت تنص على مبالغ في حدود 700 مليون درهم،
واعتبر التقرير أن هذا الأمر “يمثل مخاطر عالية، على اعتبار أن الجزء الأكبر من الصفقة تم تنفيذه فعليا، ومن شأن استعمال هاته الكواشف أن يعرض صحة وسلامة المواطنين لمخاطر كبيرة، تتعلق من جهة بسلامة الكواشف نفسها، ومن جهة ثانية بمدى صحة وسلامة نتائج الفحص”، رغم ما يمكن أن يشكله ذلك من خطورة على مستوى تفادي انتشار الفيروس.