يبدو أن الفعاليات الأمازيغية تنظيمات، أفراد، مجموعات وديناميات، ليس أمامها أي خيار إلا التحرك والنضال ضد هذه الحكومة الغاشمة، المنافقة، التي لم تعمل فقط على وقف مسلسل مأسسة الأمازيغية وتعرقل تفعيل طابعها الرسمي، وإنما، أيضا؛ تعمل جاهدة الإجهاز على ما تم تحقيقه من مكتسبات وتراكمات طيلة 21 سنة.
هذه الحكومة، وبالضبط بعض وزرائها الذين يتولون قطاعات مهمة وحيوية وذات الأولوية لتفعيل الطابع الرسمي حسب ما جاء في القانون التنظيمي 16-26، يظهر أنهم؛ تم تعينهم فقط لفرملة ادماج الأمازيغية في كل مؤسسات الدولة ومناحي الحياة العامة، وهذا لم يعد يخفى على أحد. وأهم هذه القطاعات المستهدفة هي قطاع التعليم، فقد تأكد أن هذه الحكومة وضعت ضمن أهدافها الاستراتيجية وقف وفرملة تدريس الأمازيغية والحد من امتدادها في المنظومة التربوية، أفقيا وعموديا، وليس بغريب أن التحالف الحكومي يتشكل من أحزاب تضع القضية الأمازيغية في سلة المهملات على هامش هوامش اجندتها، بالرغم من الخطاب البوليميكي الذي تتبجح به بعض أحزاب “التلاثي المتغول” على حد تعبير أحد أمناء أحزاب المعارضة، والدليل على أن هذه الحكومة بزعامة الحزب الأغلبي الذي يترأسها، برمجت توظيف 400 أستاذ لتدريس الأمازيغية، وهو رقم غريب جدا، يكشف عن نفاق الحزب الذي يقود الحكومة وكذبه السياسي تجاه الأمازيغية قبيل الانتخابات. و400 أستاذ هو رقم ورثته هذه الحكومة من الحكومة السابقة التي يترأسها الإسلاميون. فماهي الإضافة التي اضافتها هذه الحكومة التي يزعم رئيسها أنه يولي عناية خاصة للأمازيغية ووعد في حملته الانتخابية بأنه سيقوم بتنزيل الدستور وتفعيل القوانين التنظيمية التي تنص على ضرورة تعميم تدريس الأمازيغية في جميع اسلاك التعليم الابتدائي بالمغرب في متم سنة 2026. ولتحقيق ذلك صرح وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى المحسوب على حزب رئيس الحكومة في ندوة حول الأمازيغية نظمها حزبه في مدينة الناظور، انه لتحقيق تعميم تدريس الأمازيغية يحتاج إلى توظيف 17 ألف استاذ…. لكنه في المقابل يطلب توظيف 400 فقط الذي كانت الحكومة السابقة توظفه. ماذا يعني هذا؟
يعني بكل بساطة، أن هذه الحكومة وهي ترفض الرفع من عدد موظفي أساتذة تدريس الأمازيغية، ولم تقم بإضافة ولو منصب واحد، فإنها لا ترفض تعميم تدريس الأمازيغية في المدرسة، فحسب وإنما تعبر عن مواقف غريبة تهدد مسلسل ادماج الأمازيغية في المؤسسات، وقد تعيد الأمور إلى ما قبل 2003، لذلك فهذه الحكومة تختار ابقاء الأمر على ما هو عليه، في انتظار الفرصة، ولم تهتم اطلاقا بقضية تعميم تدريس الأمازيغية وحلحلة العراقيل التي تحول دون ذلك، لأنه وبكل وضوح فهذا الموضوع لا يدخل ضمن اجندتها، عكس ما ينادي به الوزير المكلف بالقطاع، من تجنيد كل وسائل الوزارة وطاقاتها لتدريس وتعميم اللغة الانجليزية…
توجد مؤشرات أخرى كثيرة تبين أن هذه الحكومة تريد التخلي عن تدريس الأمازيغية تدريجيا عن طريق عدم الاهتمام بالاختلالات الكثيرة التي يعاني منها هذا الورش، والمضايقات المتعددة التي يتعرض لها أساتذة اللغة الامازيغية، ومفتشيها. ثم أيضا، أن الوزير لا يهتم بالجدية المطلوبة بالأسئلة الكتابية والشفوية التي يطرحها السادة النواب داخل البرلمان، فقد علمنا أنه لا يرد عن استفساراتهم وملاحظاتهم التي تخص تدريس اللغة الامازيغية داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال.
أما بخصوص الإعلام والقضاء فإن الأمازيغية لم تعرف أي تطور او تحرك ملموس داخل هذه القطاعات، فالحكومة ماضية في جعل حالة الجمود هي السائدة، وما تحقق في مجال الإعلام يعود إلى ما قبل دستور 2011، فمدة البث بقناة تامزيغت لاتزال على حالها منذ تأسيسها سنة 2010 ، أي ست ساعات في اليوم، بالرغم من أن دفاتر التحملات لسنة 2012 تنص على ضرورة الانتقال إلى وثيرة بث 24 ساعة/ 24، كباقي القنوات الأخرى، إلا أن الحكومات السابقة والحكومة الحالية لم تصادق بعد على “عقد البرنامج” لمنح الميزانية الكافية للشركة الوطنية للرفع من ساعات البث، لأن قرار الرفع من وثيرة البث للقناة الأمازيغية رهين برغبة الحكومة التي يجب عليها رصد الميزانية الكافية لذلك. ولا أعتقد أن الحكومة الحالية لها ما يكفي من الارادة السياسية في جعل الأمازيغية تحظى بالمساواة وأن تتمتع بحقوقها الدستورية والوطنية كاملة. كما أن الأمازيغية لاتزال غائبة ومنعدمة في القنوات العمومية الأخرى بما فيها القناة الثانية وميدي 1 تيفي، اللتان اصبحتا ضمن القطب العمومي.
نتساءل ما الذي قدمته هذه الحكومة للأمازيغية بعد مرور سنة على تشكيلها، وأشرفت على مشروعين من قانون المالية، 2022/2023…؟ لا شيء. فما الذي يميز حكومة أخنوش عن حكومة الاسلاميين ؟
حكومة الاسلاميين خاصة في نسخة العثماني، الذي كان صريحا، رجل لا يكذب ولا ينافق، ولا يناور، كان يشتغل بجد رغم المشاكل الكثيرة التي كانت تكبل عمله، ورغم أن الأمازيغية لا تدخل ضمن أولوية حزبه، بسبب هويته الايديولوجية، إلا أن العثماني كان يتعامل مع الأمازيغية بجدية كبيرة، كان حريصا على تنزيل العديد من القرارات والمذكرات الدستورية لاستعمال الأمازيغية في الإدارات والمراسلات وغيرها، وقام برفع عدد مدرسي الأمازيغية إلى 400 منصب. ثم أيضا قام السيد العثماني بتاسيس اللجنة الوزارية الدائمة المكلفة بتتبع وتقييم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات سيرها، يوم الخميس 3 شتنبر 2020. وهي لجنة عليا يترأسها رئيس الحكومة بحضور الوزراء المعنيون بتفعيل ترسيم الأمازيغية وممثلي بعض المؤسسات منها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
وكان العثماني يقوم بكل ذلك، بدون ضجيج ولا استغلال سياسي ولا اي شيئ، لأنه بالرغم من كونه امين عام لحزب العدالة والتنمية إلا أنه كان صديقا للحركة الأمازيغية وكانت له مواقف جريئة في الأمازيغية تعاكس مواقف حزبه.
أما في الحكومة الحالية، فالحزب الذي يترأسها، قام باختراق الحركة الأمازيغية وافترسها افتراسا سياسيا غير مسبوق في التاريخ المعاصر، وادعى أنه سيقوم بتحقيق جل المطالب التاريخية للحركة وسيجعل ترسيم الامازيغية واقعا ملموسا داخل المؤسسات، وبعض اتباعه يتحدثون عن الأمازيغية كأنهم فعلا “مناضلي” الحركة الأمازيغية حيث استحوذوا على خطابها وجعلوه مطية لحملتهم الانتخابية، إلى درجة أن بعض مناضلي الحركة الأمازيغية وثقوا وصدقوا هذا الخطاب السياسي المفبرك، وانخرطوا في الحزب وأصبحوا من عرابيه…
لكن للأسف، بعد سنة من تولي هذا الحزب رئاسة الحكومة، وما تعيشه الأمازيغية من حصار مؤسساتي مقصود، ومن جمود كبير، جعل كل ما قيل عن الأمازيغية من طرف هذا الحزب قبيل الانتخابات، مجرد كلام انتخابي فارغ القصد منه دغدغة العواطف، وتعويض الفراغ الايديولوجي الذي كان لدى هذا الحزب الذي يبقى تجمعا لأصحاب المال والأعيان الكبار، بالخطاب السياسي للحركة الأمازيغية، لمواجهة الاسلاميين.
وأمام هذه “الفرشة السياسية الكبرى” وهي في الحقيقة مهزلة حقيقية، يحاول الحزب تغطيتها بإخراج بعض النشطاء المحسوبين سابقا على الحركة الأمازيغية، لتضليل المجتمع والكذب على الحركة الأمازيغية عن طريق الدفاع عن الحزب ورئيسه في حصيلتهم “الصفرية” التي حققوها لفائدة الامازيغية خاصة فيما يتعلق بتدريس الأمازيغية الذي يعرف نكوصا غير مسبوق كما سلفت الإشارة إليه أعلاه…