على هامش اللقاء..

ليلى صبحي

على هامش اللقاء
خرجت من منزلها على عجل، منافسة مرور الثواني في سرعتها، كأنما فرض عليها أن تخطو في كل تكة تدق ميلا… تناشد الزمن أن يرحمها قليلا، والمكان أن يأتي هو الآخر نحوها مقتربا..، فقد انتظرت هذا اللقاء عمرا طويلا! تخشى إن هي فوتته، ألا تناله مجددا..
استقلت سيارة أجرة، لتركض بدلا عنها، كانت كلما طوت المسافة في كبدها عدوا نحو موقع اللقاء، زاد وهن قلبها، وارتفع الأدرينالين في دمها.. ومع أن ضجيج الطريق كان مرتفعا، إلا أنها ظنت أن صخب نبضها بلغ العالم أجمع.
وعلى مشارف الوصول، راحت تتفقد نفسها في مرا
يا “التاكسي”، في حركة أخيرة منها للتأكد ما إذا كانت قد تجملت كفاية، وما إن كان كل شيء في مكانه كما ينبغي له.. زينتها.. خصلات شعرها.. طقمها الأبيض الذي أرادت به أن يكون صفحة بيضاء توثق به وفيه لبدايتهما المحتملة..
الثامنة مساء، دق التوتر نواقيسه، وأعلن الزمن لحظة اللقاء.. اختار لاجتماعهما مقهى هادئا، أنيقا كحاله، بأناس موزعين داخله بفوضوية كفوضى الشعور داخلها.. لمحت خياله أخيرا أمامها.. فثارت حواسها، وارتعدت أوصالها.. شعرت أن برودا جمد أطرافها، والدم قد اندفع منتفضا في عروقها كلما زاد قربها منه.. واتضحت لها معالمه أكثر…
البديهي في حكايتهما، أنهما لطالما احترفا اللقاء كتابة، لطالما آمانا أن الكتابة فضاء لللقاءات المباحة دون الحاجة لتخطيط مسبق.. فكانت هي تدعوه كتابة، وهو يستجيب دون تردد قراءة.. وهاهما أخيرا قررا التواعد، والذنب واضح في ملامح رسائلهما.. هاهو ذا لقاءهما الرسمي الأول، فنجان الشاي الأول، وتقاسمهما للطاولة أول مرة.. والأهم أنها ستكون النظرة العميقة الأولى لملامح لا يعرفان سفاسفها جيدا..، بينما الشغف لرؤيتها عظيم كقفزة نحو الهاوية..
تنحنحٌ منه، فسلام منها، مدا يديهما للتصافح، وربما قلبيهما، ثم حياة.. خيوط المساء في ثوبها القرمزي انسدلت على عينيه، إضاءة حاسوبه الخافتة كشفت لها تفاصيل ملامحه بشكل أدق.. هي التي أعدت مسبقا الوقت الكافي، لتحفظ أقصى مايمكنها حمله من تفاصيله..هاهي ذي مثلت أمامه بخشوع وشيء منها يقول بداخلها:
ـ “لوجهك غواية كنت أجهلها..”
أفسحا هامشا للتقارب، والوقت ينسلت بسرعة من سدة المساء.. ووحدها أوراق الربيع الذاوية، كانت تشهد ولادة اللقاء بينهما.. وبين خيارات الحياة التي أتيا على ذكراها، شاركها أناه، وشاركته خاصتها.. التحمت الأنامل مع ثقوب الناي.. سار قاربهما على تجاعيد الضباب.. ونبث بين اشتباكات عينيهما فصل جديد.. فصل عنوانه اللقاء!
ثم في الختام.. أهداها طمأنينة وقلما عربون تذكار.. ودليلا على أن سلم نبضها عزف له سمفونية بالقسم لم تخلق إلا له! هادته ما أعمق منه..
هادته فؤادها الذي كان فدية اللقاء.. و في ذات الوقت القربان..!

على هامش اللقاء
Comments (0)
Add Comment