بعد تفكير عميق فيما يمكن تدوينه من خلاصات وإستنتاجات إنطلاقا من تجربتي في الانتخابات الجهوية والتشريعية للثامن من شتنبر سنة 2021 حيث لم أجد اي عنوان لهذه الاستحقاقات سوى “عمر” كفاعل فوق العادة في الاستحقاقات الجماعية والجهوية والتشريعية لهذه السنة والتي اعتبرها نهاية لسنوات البؤس السياسي وسنة لإنطلاق مسلسل العبث السياسي الذي ستمتد حلقاته الى سنة 2026 إلا إذا شاء مخرج هذا المسلسل ان يقلص من سنوات مسلسل العبث او ان ينتج جزء ثاني للمسلسل يمتد إلى سنة 2031 وسيكون الامر مؤسفا للغاية.
وكما تعلمنا في مدرجات الجامعة، التي افتخر بالإنتماء لها، انه لا يمكننا البدء في تحليل الوقائع ووضع الاستنتاجات والخلاصات إلا بعد الانتهاء من تحديد المفاهيم ووضعها في سياقها، ومن هذا المنطلق، وكي لا ادع القارئ يتيه بين فرضيات تأويل المفهومين الأساسيين لهذه الخاطرة وللفاعل الاساسي في المعركة الانتخابية.
فمفهوم “عمر” بإعتباره مفهوما شعبيا له دلالاته القيمية المتعددة اللأخلاقية بالتبع لمفاهيم أخرى مثل “المرقة” و”الكرمومة” … وغيرها من المفاهيم التي تحمل نفس الدلالة او قريبة منها، وحيث ان المقصود من مفهوم “عمر” هو المال الذي تحوم حوله شبهات، من حيث المصدر او من حيث الغرض من صرفه، إلا انه جرت العادة ان المال المشبوه يصرف للاغراض المشبوهة تبعا للمثال الشعبي الذي يقول “فلوس اللبن تايكلهم زعطوط”.
اما المفهوم الثاني وهو “المخرج” اي اليد الخفية التي تتحكم في حلقات المسلسلات ومشاهد الأفلام واجزاء المسرحيات وحيث ان المشهد الانتخابي والسياسي اصبح اكثر قربا من المسلسلات والأفلام والمسرحيات فإن مخرجه بارع في توفير الشروط والظروف لتحقيق مخرجات أعدت سلفا وراء الستار، وفي هذا السياق حق لنا ان نسميه المخرج وان نصفه ب “اليد الخفية”.
وإنطلاقا مما سبق فقد كان ل “عمر” أثر كبير في نتائج الاستحقاقات الأخير التي قررت خوضها على سبيل “النضال” ووضع اللبنة الأولى في الطريق الى المؤسسات المنتخبة للقيام بالدور الوطني المنوط بي كشاب خريج الجامعة ناشط وقيادي في حزب سياسي.
ولكي استمر في المنهجية التي إتبعتها من اول هذه التدوينة وجب طرح مجموعة من الأسئلة التي سأجيب عن بعض عناصرها في ما يلي وسأترك ما تبقى من إستنتاجات وخلاصات للقارئ الذي يملك ما يكفي من الذكاء لإستخراجها.
كيف يمكن لشاب في بداية عمره المهني والسياسي ان يخوض معركة إنتخابية بدائرة تشريعية محلية (مراكش المنارة) تضم 6 جماعات ومقاطعة جماعية ومساحتها تفوق الكثير من المدن المغربية بدون ميزانية للدعاية الانتخابية وموارد لوجستيكية ؟ كيف يمكن تجديد النخب السياسية وتشبيب الأحزاب والمؤسسات المنتخبة في ظل عمل سياسي لا تتكافئ فيه الفرص ؟ كيف يمكن الحديث عن الديمقراطية والتعبير عن إرادة الناخبين في سياق يقول فيه “عمر” كلمته ؟
حتى إذا إنطلقنا من منطلق ان الاموال الطائلة التي إستعملت في الإنتخابات لم تسخر لشراء الذمم أو الإستمالة اللا مشروعة للناخبين، فسنكون امام معضلة الموارد المالية واللوجستيكية المتوفرة لذى كل المرشحين من اجل الوصول والتواصل مع جميع الناخبين، فهل يمكن بأي وجه من الأوجه مقارنة من تتوفر له القدرة على استعمال الشركات المتخصصة في الدعاية والتواصل وإحتلال باحات ووصلات الإشهارات في مواقع التواصل الإجتماعي والجرائد وله القدرة على توزيع ملايين الدراهم في القفف وأضحيات العيد … مع شاب لا يملك من هذه الإمكانيات إلا بضع منشورات وخطاب صادق وبرنامج منبثق من معاناته كمواطن؟
أما الخلاصة الأكيدة في هذه المحطة بالذات هي ان هذ الإستحقاقات الانتخابية ما هي إلا خشبة مسرحية خلاصتها ان كل الشعارات (التشبيب، تجديد النخب، إسقاط الوجوه القديمة …) ما هي إلا غطاء للسيناريو الحقيقي الذي اعد المخرج حلقاته سلفا.
اما عناصر قصة المسلسل فهي منبنية على ان التشبيب لم يكن يقصد به التمكين لأبناء الشعب من الاطر والكفاءات وخريجي الجامعات والمتمرسين في النضال الحزبي بل هو التمكين لأبناء الأعيان او شيوخ السياسة على سبيل توريث المصالح، وفي حالات اخرى يمكن ان يكون التشبيب هو استقطاب شباب يعانون من شلل في حواس الفهم والاستيعاب والاستقلالية والنضال من اجل القيام بدور ثانوي وتجميل قاعات العروض بشباب لا طعم لهم ولا لون لهم ولا معنى لهم بالأساس.
وحتى لا نطيل في التحليل والاستنتاج لان الوقت لم يعد يسمح بالبكاء على الأطلال او الأسف على واقع الحال، ونحن اليوم ملزمون أكثر من اي وقت مضى بالعمل الميداني على تأطير المواطنين والوقوف الى جانب ابناء هذه الامة من اجل بناء مغرب الشباب والكفاءات.
وفي الختام اود ان اوجه رسالة لعموم الشباب المناضلين انه من كان قد تعلق قلبه بالانتخابات والمصالح والمكاسب فإن 8 شتنبر قد انتهت ومن كان يحب هذا الوطن فإن الميدان ينتظر العمل.
بقلم عز العرب بوغالب
ناشط سياسي – عضو المكتب السياسي للحزب المغربي الحر
كاتب رأي