ترتبط مسألة الهوية والحقوق الثقافية ارتباطا وثيقا بمنظومة تمغربيت في علاقتها بالتراب والإنسان والتاريخ والثقافة واللغة. من هذا المنظور وجب التركيز على المبادئ الكبرى والغايات الجوهرية من التعددية وليس على هوية بعينها أو لغة بعينها. يتوخى في المقابل ترك تدبير التعدد لمعطيات قائمة وواقعية مثل التقسيم الجهوي والمؤهلات الإنسانية والاقتصادية والثقافية… وتبيان التداول حوله في إطار تفاوض وتداول مجتمعي لكي لا يصبح الدستور مجرد لائحة قوانين. ذلك لإن إعمال بعض القوانين والفصول العينية التي تسمي مكونا دون آخر ستضعف حمولة تمغربيت لاسيما إذا كان الواقع لم يستوعبها ولم ينضجها بعد. لهذا تشكل مثل هذه القوانين والفصول خطرا على جوهر الثقافة الدستورية والقانونية وتهديدا لنجاعة التفعيل الدستوري لتمغربيت.
في هذا الخضم فإن فعل دسترة الأمازيغية الذي أشار إليه مباشرة المرتكز الأول من الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 وبطريقة ضمنية المرتكز الثاني حين ساق “منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية” يمكن من تصور بناء الهوية المغربية على أسس تمغربيت في تجلياتها الكبرى مثل حماية الإنسان، صون حقوقه الثقافية واللغوية والمؤسساتية… فدسترة الأمازيغية باعتبارها رصيد لجميع المغاربة كما جاء في الفصل الخامس من دستور 2011 ستقوي مكانتها في المنظمومة الوطنية المغربية وتمتن الشعور بتمغربيت والاعتزاز بالهوية الفردية والجماعية. على هذا النحو تمثل دسترة الأمازيغية في شقها الهوياتي بندا حداثيا في تكريس مفهوم الإصلاح الديمقراطي لأنه يؤثث لوضعية تتسم بالمساواة والعدالة تحول دون تصنيف المواطنين المغاربة حسب انتمائهم اللغوي أو الإثني. ومن ثم تصبح دسترة الأمازيغية تأكيدا على الخصوصية الهوياتية للمغرب وتشكل كذلك عنصرا أساسيا في تنمية المجال الترابي وتكريس الشخصية الوطنية وتطوير المجتمع وإرساء كرامته وتصريف تنوعه وثرائه من خلال منظومة تمغربيت كوعاء للتفاعل والتداخل والتمازج اللغوي والثقافي والإنساني.
وبموازاة اعتماد الخصوصية الهوياتية المغربية في شقها اللغوي الأمازيغي أضحت مقولة الانتماء إلى المغرب العربي أو العالم العربي متجاوزة ويتوخى في هذا الباب الانتقال من منظومة “الانتماء للمغرب العربي” (كما جاء في دساتير 1970-1972 والمراجعات الدستورية لسنة 1980-1992 و1996) إلى منظومة الانتماء للمغرب الكبير (أو شمال إفريقيا) كما نص عليه دستور 2011 و دستور 14دجنبر 1962 أو الرجوع إلى منطق اشتغال المجلس الدستوري لسنة 1960 الذي لم يحدد في مبادئه العامة الانتماء إلى المنتظم العربي. ومن تبعات هذا المنطق الإنتمائي سيمكن المبدأ الأساس لتمغربيت من الاعتراف بالخصوصيات اللغوية والثقافية لجميع المغاربة، في هذا الصدد تبدو دسترة اللغة الأمازيغية مدخلا أساسيا لتبني خطة جديدة للإدماج الوطني بحيث أن مقولة الثنائية اللغوية الرسمية لا تضعف وضع اللغة العربية، كما أن دسترة اللغة الأمازيغية هي نتاج لسيرورة بدأت منذ سنة 1994 مرورا بخطاب أجدير لسنة 2001 إلى خلق إذاعة الثامنة سنة 2010 لدعم الأمازيغية هوية ولغة في المشهد الإعلامي المغربي. لهذا فدسترة اللغة الأمازيغية تندرج في خضم الاعتراف بالتعدد اللغوي والتنوع الثقافي في إطار منظومة تمغربيت ووحدة الهوية والانتماء للوطن وتراب المملكة المغربية. من هذه الزاوية تجدر الإشارة إلى أن المرتكز الأساسي في تصدير دستور 2011 يؤكد على أن تنوع مكونات الهوية المغربية لا يتم إلا بإقرار التعددية اللغوية الوطنية عبر إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، لذا فتفعيل دسترة الأمازيغية سيجيب على مطلب المساواة والعدالة اللغوية.
وبموازاة هذا المطلب، سيمكن استعمال اللغة الأمازيغية في المجال العام من خلق إطار يؤسس لنوع جديد من الديمقراطية يتجاوز هامش الفعل التشاركي إلى فضاء الفعل التفاوضي كفضاء يستجيب لحق التداول والتقرير في السياسات اللغوية والثقافية بالمغرب والحماية القانونية للغات. ذلك لأن التفاوت في القيمة الرمزية وفي الوضعية الاعتبارية والقانونية للغات المختلفة ينسحب تلقائيا على الوضعية الاعتبارية للمنتسبين لتلك اللغات ويحكم مراتبهم في تمغربيت. يمكن إذن من هذا المنظور اعتبار دسترة اللغة الأمازيغية ركيزة لإرساء مفهوم الإصلاح المواطناتي. لهذا وجب الأخذ بعين الاعتبار عدة منطلقات ومداخل منها لا للحصر إعمال مبدأ الدستورية والوظيفية والفاعلية فيما يتعلق بالتعددية اللغوية و ترسيخ الحق في اللغة والحق في تطوير المعارف والحق في التنمية من خلال استعمال اللغات الرسمية لاسيما مع هيمنة الفرنسية ولغات أخرى على السوق اللغوية المغربية وكذلك ملائمة الحقوق اللغوية والثقافية مع الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية في أفق منظومة تمغربيت عبر تفعيلها داخل المؤسسات والمرافق العمومية.