الجزء الأول
(في صنف القارئ ومتصفح الكتاب)
تأتي هذه المقالة التمهيدية كجزئية نحسبها في غاية الأهمية، والتي تهم كتاب “الشخصية المغربية؛ تأصيل وتأويل”. وهي حلقة ضمن حلقات متواصلة سنحاول فيها التعبير عن بعض الملاحظات والآراء بخصوص مضامين هذا الكتاب وما أتى به مؤلِّفه من طرح ومعطيات وما انفرد به في هذا العمل. هذا الكاتب الفريد في أسلوبه وطرحه، الذي يدرِّس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان؛ المتخصص في التاريخ، المنفتح على العلوم والحقول المعرفية ذات الصلة؛ هو الدكتور “الطيب بياض” الذي فضَّل في إحدى اللقاءات الصحافية أن يدعى بالباحث في التاريخ وكفى.
هذه المقالة تعبر عن رأي طالب باحث لا يزال في مهده، لكنه يصاب ب “قلق فكري” كلما خاض وتصفح كتابا ذا “مطبات إبستيمولوجية” كما يسميها مؤلف الكتاب.
ونعتقد أن من أراد التعمق في مثل هكذا مواضيع كالتي أتى بها هذا الكتاب، عليه أن يمتلك مقومات التحليل الإبستمولوجي في حده الأدنى كأقل تقدير حتى لو كان متن النص وأسلوبه فريدا / سلسا / مركبا؛ وأن يكون مطلعا على أبجديات كل علم من العلوم الاجتماعية والإنسانية. وعلى ذلك فكتاب “الشخصية المغربية؛ تأصيل وتأويل” قد يحصره القارئالمبتدئ أو حتى المهتم بالسرد الحكائي وبالوقائع التاريخية فيأخذ منه تلك التلميحات العابرة لبعض الوقائع والأحداث وبالتالي قد يتعامل مع الكتاب كعصارة أو نسخة مضغوطة لتاريخ المغرب من مهده إلى الفترة الراهنة وكفى. أما الصنف الثاني من القراء فهم نوعان؛ أولهما ذاك المتخصص شبه الآلي المنغلق على تخصصه، وعلى ما يستهلك وحتى على ما ينتج داخل القلاع الجامعية وما تعاني منه شكلا ومضمونا خلال الفترات الأخيرة، وحتى خارجها؛ بحيث إنه قد ينظر لهذا المؤلف من زاويته الخاصة سواء كان مؤرخا أو أنثروبولوجيا أو سوسيولوجيا أو حتى فيلسوفا؛ فتكون النتيجة رؤية ضيقة وربما سوء فهم وتدبر. حينها سنسقط في متاهة “كلا يلغي بلغاه”، وربما التهافت نحو التخصص وحقل اشتغال كل باحث. لكن الثالث هو ذاك المتخصص /غير المتخصص، المنفتح على أهم العلوم والحقول المعرفية ذات المواضيع المتقاربة في أشياء، المتضاربة في أشياء أخرى، والذي يعي كونها تكمل إحداها الأخرى دون قيود أو شروط ودون تعصب أو كبرياء؛ حيث سينظر للكتاب ويتدبره تدبرا ربما سليما وسلسا أكثر مما قد يتدبره الصنف الأول والثاني. ولعل ما وُصِفَ به الكتاب وصاحبه في الصفحة 18 من طرف صاحب التقريظ (ذ خالد الحياني) ورغم تخصصه في علم الاجتماع، يعبر نسبيا على ما تم ذكره، حيث ورد في كلامه ما نصه: “وكنت بدوري أجد ذاتي في الكثير مما كان يطرحه، خاصة وأنه لم يكن مهووسا بالأحداث ولا متقوقعا على ذاته، بل كان يطرح موضوع الشخصية المغربية كملتقى طرق لحقول معرفية مختلفة /…/”. فهل هذا الصنف- الثالث – من القراء هم من يتوجه إليهم هذا الكتاب الصغير في حجمه الكثيف في حيثياته ومضامينه، هذا الكتاب الذي أصفه – وأرجو أن يصح وصفي – بكونه “نقلي/نقدي” و”بسيط/مركب” وربما “مسالم/مشاكس”.