مجموعة “ريد بيل” الفيسبوكية .. فضاء لممارسة “العنف الرقمي” ضد المغربيات

نجوى رضواني

في الوقت الذي مكن فيه التقدم التكنولوجي من بروز وسائط التواصل الاجتماعي كوسيلة لتعزيز التواصل بين أفراد المجتمع ورفع الوعي بشأن مجموعة من القضايا، إلا أنه في الآن وفرت هذه الوسائط أرضية خصبة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصة ضد النساء، حيث تعتبر المرأة هي الحلقة الأضعف دائما في مثل هاته الحالات، في ظل سيادة “ثقافة الخجل” من التبليغ عن تلك الجرائم.

وإذا كان العنف الرقمي الممارس ضد النساء في وسائل التواصل الاجتماعي يتم عادة دخل غرف الدردشة الخاصة أو من خلال بعض التدوينات هناك وهناك، إلا أن هذه الظاهرة بدأت خلال الفترة الأخيرة تتفاقم بشكل أكثر، حيث خرجت إلى العلن مجموعة على الفيسبوك تحت اسم “ريد بيل” تعلن مباشرة مواقفا عدائيا ضد النساء.

مجموعة “ريد بيل” .. فضاء لتصريف الثقافة الذكورية

 

أدت هيمنة الثقافة الذكورية في المجتمع، إلى حد اعتبار كل الفضاءات، بما فيها الرقمية، حكرا على العنصر الذكوري، وهو ما يجعل البعض لا يتقبل أن تكون للنساء مساحة للتعبير عن أرائهن ومشاعرهن أمام العموم، كقضايا الزواج والعمل مثلا، حيث لعبت مجموعة “ريد بيل” الفيسبوكية التي تم انشاؤها قبل أسابيع قليلة هذا الدور في ممارسة عنف لفظي ضد النساء، وخاصة المتعلمات والعاملات.

 

المجموعة التي استطاعت أن تستقطب أزيد من 150 ألف شخص في ظرف وجيز، فضحت بشكل جلي هيمة الثقافة الذكورية بين كثير من شباب المجمتع المغربي، رغم مظاهر الحداثة السائدة وانخفاظ نسبة الأمية والتدين بين هذه الفئة، إلا أن ذلك لم يشفع في أن تتخلص هذه الفئة من ثقافة بدائية لا ترى في النساء سوى وسيلة جنسية أو عاملة منزل.

 

وبالإطلاع على عدد قليل من التدوينات في هذه المجموعة، تصطدم بهول العنف الرمزي الممارس ضد النساء وأفكارهن بين رواد هذه المجموعة، بالإضافة إلى التنمر الشديد عليهن، عبر استعمال صور بعض النساء في التنكيت وتسفيه أفكارهن، حيث أضحت هذه المجموعة بيئة معادية لكل ما هو نسائي حاملة لواء نشر صور نمطية متخلفة هدفها الحط من قدر وكرامة وشأنه  النساء.

 

ويلاحظ أن المجموعة التي أنشئت من طرف أشخاص مجهولي الهوية، تضم عددا كبيرا من الأشخاص ذوي المستوى التعليمي الجيد أو ذوي خلفيات أيديولوجية، يبنون هجماتهم على أفكار دينية مغلوطة، أو لمجرد استغلال فضاء حر غير مراقب لنشر أفكار تعبر عن ثقافة العنف وسلوكيات مشينة.

 

نساء ينخرطن في اللعبة

 

المثير في من يتابع التدوينات على مجموعة “ريد بيل” الفيسبوكية، أن هناك عدد لا حصر له من المشتركات في هاته المجموعة اللواتي يهاجمن نفسهن وبنات جنسهن بنفس الطريقة، تجدهن في التعليقات يسخرن ويؤيدن ما تتعرض له عدد من النساء من سب وقذف وتشهير في قضايا معينة، كان من الممكن أن تكون هي نفسها في موقعها، على الرغم من أن مشاكل النساء ليست بالضرورة قضايا مساواة أو ما يسمى بالنسوية بل هي مجتمعية بالأساس.

 

خبير اجتماعي: العنف الرقمي لا يختلف عن العنف في أرض الواقع

 

اعتبر محسن بنزاكور، وهو محلل اجتماعي، أنه عندما نريد أن نتحدث عن مقاربة النوع في ما يخص العنف الرقمي ضد النساء في المغرب، بل في العالم بأسره، فإن ذلك يمر عبر التأكيد بأن العنف الرقمي الممارس من طرف مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي ضد النساء هو صورة طبق الأصل للعنف المادي الذي يُمارس ضد هذه الفئة على أرض الواقع، حيثُ ترى هذه الفئة في المرأة مجرد جسد يستحق أن نتطاول عليه ونتملكه ونمارس عليه كل أشكال السادية ما دامت لديه تلك الفكرة الذكورية التسلطية وأن يكون له سلطة ليست فقط معنوية بل تتجاوز ذلك بس سلطة على الجسد الفعلي على المستوى الافتراضي.

 

وشد بنزاكور على أن الخطير في المسألة هو أن شباب اليوم الذي ترعرع بين أحضان هذا العالم الافتراضي يتأثر نفسيا بشكل عميق فيما يخص هذا العنف المبني على النوع، ذلك أن بعض النساء يصرحن (خصوصا اللواتي ولدن بعد سنة 2000)، أن الألم الذي يحسون به من خلال هذا العنف الرقمي لا يمكن أن يختلف بأي حال من الأحوال عن العنف الذي يتعرضن له في الشارع، من تحرش جنسي لفظي وجسدي ومعنوي، فخطورته في العالم الافتراضي أنه متكرر ومستمر ومتعدد.

 

وأكد بنزاكور أنه في كل لحظة تحاول النساء ممارسة حقهن في الدخول لمواقع التواصل الاجتماعي، إلا وينتابهن إحساس بأنه سوف يمارس عليهن العنف، والعنف هنا ليس فقط جنسي بل يتجاوز ذلك إلى السب والإهانة والاحتقار بكل ما يمكن أن يشكل العنف المبني فقط على أنها أنثى وتستحق هذا الأسلوب من التعامل، منبها إلى أنه ليس كل الرجال يمارسون نفس التصرف ولهم نفس التصوير عن النساء، لكن كل من يمارس ذلك فهو من صميم العنف الرقمي المبني على ما نسميه النوع الاجتماعي.

 

خطورة العنف الرقمي

 

للعنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي تأثير خطير على حياة النساء والفتيات، بما في ذلك سلامتهن وصحتهن الجسدية والنفسية وسبل عيشهن وروابطهن الأسرية وكرامتهن وسمعتهن، إنه رمز لمشاكل عدم المساواة بين الجنسين والعنف الهيكلي والتمييز ضد المرأة الراسخة في المجتمع، كما أنه دليل على الاتجاهات الأوسع نطاقا التي تقوض التقدم المحرز في الحماية الشاملة لحقوق المرأة والنهوض بالمساواة بين الجنسين.

 

قد تدفع مثل هذه الهجمات النساء والفتيات إلى ممارسة الرقابة الذاتية والحد من تفاعلهن عبر الإنترنت، أو إبعادهن تمامًا عن وسائل التواصل الاجتماعي ودفعهن مرة أخرى إلى الصمت، إنه يقوض شبكة الدعم والتضامن التي أنشأتها النساء لإظهار النساء الأخريات أنهن لسن وحدهن، حتى في الفضاء الرقمي.

 

ما الحل؟

تتمثل الخطوة الأولى نحو معالجة العنف ضد النساء والفتيات في المجال الرقمي في الاعتراف بأن هذا مظهر آخر من مظاهر العنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي، مثله مثل أي مظاهر أخرى، يعيق التحقيق الكامل للمساواة بين الجنسين وينتهك حقوق الإنسان للنساء والفتيات يجب أن يكون وضع حد لمثل هذا العنف، أينما حدث ومن خلال أي وسيلة ارتكابه، قضية ذات أولوية.

 

العنف الرقميالعنف القائم على النوع الاجتماعيالعنف ضد المرأةالمساواة بين الجنسين
Comments (0)
Add Comment