ذات زمان يحكى أن نملة قررت.. وفجأة.. أن “تثور”، محاولة ترويض ذهنها عن اللاممكن، فعزمت اللحاق بغزلان البراري الراكضة بسرعة البرق وهي تدرك أن هدفها محال في كل الأحوال، لكنها تراه مانحا حياتها الصغيرة معنى عظيما…
أي نعم، وهذا المعنى هو مربط الفرس، فكل منا إلا ويستشعر عجز النملة في نفسه حين تعتريه لحظات الضعف والإنكسار، فيصعب عليه مجاراتها، ويضحى دوره اتجاهها أن يرعاها في كل أحوالها وأهوالها، حتى لا تفقد قدرتها على الحياة، ومنه لن ينفعها آنذاك إلقاء اللوم على كاهل أي سلطة أبوية، أرضية كانت أم سماوية.
فرعاية الإنسان لنفسه تكون إما ببيعها أوهام مُغرية تتركها تركض خلف الغزلان لتستمتع برشاقة ساقيها وبديع شكلهما، أو باقتراح أسلوب عيش يجعل الحياة أمامها محتملة في كل الظروف. إذ أن في هذه الدنيا نوائب كثر، واستمرارنا في البحث عن الخلاص منها نهائيا وبشكل مستمر هو المصدر الأول للشقاء، ولا سبيل للقضاء على الشقاء بل يكفي أن يحمل في طياته لطفا خفيا، وما التذمر من هذا وذاك سوى انحطاط غريزي كما عبر عن ذلك “نيتشه”.
ومما لاشك فيه أن حدة الصراع النفسي والاجتماعي لدى الإنسان كائنا من كان، قائم على ضرورة التموقع في الزمان والمكان، وما يطرأ عليه من تغيرات إجتماعية لا يمكن الفصل فيها بين الحتميات التاريخية و السياسية، التي طبعت إختياراته الجيو-سياسية لمجتمعه، والتي تتم بفعل هيمني خارجي بأبعاده الحضارية والثقافية والاقتصادية والاديولوجية.
هذا الذي سبق، يشكل ويلون الإنسان باشكال وتلونات عديدة، مُفرزة حركية التقليد بين تدافع مختلف الأطياف حولها، مما ينتج جيل يحتار بين أمرين؛ إما الركض خلف غزلان الأحلام، والتي لن يفلح في تحقيقها ولن يسعى لذلك، بعيدا عن أدنى فكرة للتطور والتموقع وصنع التغير، وإما الرضى بواقع هش لا يقبل إلا التكيف وتوقع الأسوء والاقتناع بمبدإ أن لا شي صمم لأجلي.